التفاسير

< >
عرض

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ
١٩

تيسير التفسير

{ وجاءت } الخ تقرير للبعث الذى أنكروه بذكر بابه وهو الموت، وبذكر النفخ { سَكرةُ الموتِ } أى شدته، شبهت شدته بسكرة العقل، لأن كلا يصيب العقل بضر، أو شبه الموت بالخمر لجامع الاصابة، ورمز اليه بلازمه وهو السكر، والاضافة للجنس أى سكراته بالجمع كما قرأ به ابن مسعود، وكما روت عائشة رضى الله عنهما أنه كانت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة، أو علبة يدخل يديه فيها، ويمسح وجهه بهما ويقول: "لا إله إلاَّ الله إنَّ للموت سكرات" رواه البخارى وغيره، وعن عائشة: يدخل يده فى قدح ويمسح وجهه بالماء ثم يقول: "اللهم أعني على سكرات الموت" .
{ بالحقِّ } الباء للتعدية أى أجاءته أى صيرته جائيا كقوله تعالى: " { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة } " [مريم: 23] والمعنى أحضرت سكرة الموت الحق الذى نطق به القرآن، أو الحق الذى هو السعادة والشقاوة، أو الأمر الذى هو لا بد منه وهو الموت والحساب والجزاء، أو الباء للملابسة أى مقترنة بالحكمة والغاية الجميلة، أو بحقيقة الأمر، والماضى هذا، وقوله: " { ونفخ } "[ق: 20] " { وجاءت كل نفس } " [ق: 21] لتحقق لوقوع { ذلك } الحق أو الموت { ما كُنْت منْه تَحيدُ } الخطاب فى المواضع الثلاثة للفاجر، ولا يصح أنه لانسان فاجرا أو برا وأن الاشارة للموت، لأن الكلام فى الكفار، وأما قوله تعالى: " { ولقد خلقنا الإنسان } " [ق: 16] فلاثبات العلم بجزئيات أحوال الانسان، وتضمن شبه الوعيد، والتخلص والخروج الى بيان أحواله فى الآخرة، وكذا ناسب: " { لقد كنت في غفلة } "[ق: 22] يناسب خطاب الكفرة فى تلك المواضع الثلاثة، وبه قال صالح بن كيسان، وقال الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس: الإشارة للموت، والخطاب للانسان برا أو فاجرا، ومعى تحيد تميل وتنفر عن الموت، والنفرة عن الموت تعم أفراد الانسان، قيل: والظاهر أن قوله: { وجاءت سكرة الموت } متعلق بقوله تعالى: " { ولقد خلقنا الإنسان } " [ق: 16] الخ لا بقوله: " { بل هم في لبس من خلق جديد } " [ق: 15] وقوله: " { كذبت قبلهم } " [ق: 12] فالمناسب أن المشار اليه الحق، والخطاب للفاجر والبار لقوله تعالى: " { وجاءت كل نفس } " [ق: 21] الخ وتفصيله بـ " { ألقيا في جهنم } "[ق: 24] " { وأزلفت الجنة } " [ق: 31].
قلنا: هذا العموم أولى، كما روى أنه مات الوليد بن المغيرة، قالت أم سلمة: يا عين فابك للوليد بن الوليد بن المغيرة، فقال صلى الله عليه وسلم:
"لا تقولي ذلك، وقولي جاءت سكرة" الخ ولما حضرت الوفاة أبا بكر تمثلت عائشة رضى الله عنها بقول شاعر:

اعاذل ما يغنى الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق به الصدر

فقال: يا بنتى قولى: "وجاءت سكرة" الخ ويروى قالت:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

البيت، فقال: قولى: "وجاءت سكرة" الخ، وقال بعض الذى يتبارد بأول وهلة: ان الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، كما روى عن زيد بن أسلم، ولكنهم ردوا عليه، ووجه ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ينفر عن الموت بالطبع، ولو كان يحب لقاء الله، وانك تنفر عنه أنت فكيف هم، يقرأ عليهم الآية فيقرون أنه أحق بالنفرة منه، وقد خوطب صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: " { لقد كنت في غفلة } " [ق: 22] الخ قلت: لا يصح، لأن قوله: " { لقد كنت في غفلة } " [ق: 22] الخ خطاب للكافر أيضا.