التفاسير

< >
عرض

وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
٧

تيسير التفسير

{ والأرضُ مَددناها } بسطناها، وهى كرية الشكل، ولكنها لعظمها يحصل انبساط تام فى أجزائها، وهى باعتبار المجموع كرية، وكريتها تامة وناقصة من جهة القطب الجنوبى والقطب الشمالى، وذلك قول الأكثر وفيه أن الماء الذى عليها لا يتكور، فكيف تتكور دون ما فيها من ماء البحور، فزعموا أن الماء يتكور معها حيث علـت، والله تعلى قادر، وقالوا: انه لو غطى ماء فى وعاء مستو بغطاء مستو لابتل وسطه دون أطرافه، والتجريب مكذب لهذا، وان ثبت فهذا تكعب فلعله لا يتكعب فى أطراف الأرض.
وزعموا أن السفينة لا تظهر، وكلما قربت ازدادت ظهورا، وذلك لانحداب الماء، ويرده أنها لا تظهر أيضا اذا كانت فى المحل الذى ترى منه حتى تقرب، وذلك بالعكس، ويتصور أيضاً فى كل موضع من تلك المسافة، وأيضا ذلك الانحداب قريب لا تقبله سعة الأرض، وزعموا أنه لو سار أحد فى جهة واحدة مستمرا عليها لرجع الى مبدئه، ومن أين لهم هذا ولا دليل لهم.
وزعموا أن اختلاف ظهور الهلال بالمواضع لتكورها وهو خطأ، وانما هو لسحاب أو قرب جبل أو نحوه، والا لزم كل موضع حال واحدة أبدا من الظهور بتقصير الشهر وتكميله.
وزعموا أن الكواكب مكورة، فلا بد أن تكون الأرض مكورة، وذلك ملازمة لا تثبت، إذ لا دليل عليها، وقالوا: لو كانت بسيطة لطلعت الشمس عليها كلها بمرة، وغرب بمرة، قلنا ذلك لانجداب السماء أو الفلك أو لجريها على انحداب، وأى مانع من أن يكون ذلك لطول الأرض جدا مع انبساطها، ويرده وجود الظل للشىء مطلقا، وقالوا: خسوف القمر ناشىء عن حدب الأرض، قلنا: يرده أنه يخسف تارة من جهة، وتارة من جهة أخرى، وانما ينخسف لميل الشمس عنه، أو ميله عنها، فلا يضىء منه الجزء الذى لم يقابلها، ان كان الانخساف بالأرض فأى جزء منها تكعب فيخسف به، مع أنها متكورة، وأيضا الشمس لا تقطع المحيط كله، بل تدور من سطه الى الشمال، فكيف تقطع الأرض كلها من وراء المحيط، فيكون جزءا من مجموعتها، حلائلا بينها وبين القمر، نعم أخبرنى رجل أنها تقطع المحيط كله، والأرض بعده وأن بعض السفن قطعت المحيط الى أن أشرفت على الأرض بعده، فقد تخسف بجانبها، ويقال: القمر ينخسف فى كل شهر، لكن فى أرض دون أخرى.
ثم انى قد أخبرتك أن الأرض ليست تامة التكوير، بل بسطت عند القطبين، ومنتفخة عند خط الاستواء، وذلك من قياس خط نصف النهار، وهو الدائرة العظيمة المارة بالقطبين التى تقسم الأرض الى نصفى كرة، أحدهما شرقى، والآخر غربى، وقياس خط الاستواء وهو الدائرة العظيمة التى تقسمها الى نصفى كرة، أحدهما شمالى، والآخر جنوبى، فوجد أن خط الاستواء يزيد على طول نصف النهار بنحو سبعين ألف متر، وكذا قطره، ويزيد عن قطر خط نصف النهار بنحو عشرين ألف متر، فعلى فرض تكرير الأرض ليس تكويرها تاما.
{ وألْقَيْنا } من السماء { فيها رواسِىَ } جبالا رواسى، أى ثوابت ماسكة لها عن التحرك، كما قال الله تعالى:
" { والجبال أوتاداً } "[النبأ: 7] وقال: " { أنْ تميد بكم } " [النحل: 15، لقمان: 10] وقال الفلاسفة المتأخرون وبعض المغاربة: تتحرك بالحركة اليومية بما فيها من العناصر، ولا شرك بذلك، لأن التحرك المنفى فى القرآن التحرك المشاهد فى زعمهم، والتحرك الذى أثبتوه لا يرى وهو خطأ، لأن ظاهر القرآن ينفى التحرك مطلقاً، ولا دليل لهم على غير ذلك، والأرض أنزلها الله تعالى فى الفراغ لا ترتكز على شىء كما ظنه اليهود أنها ارتكزت على قرن ثور، أو ظهره، وأن الثور على صخرة، والصخرة على حوت، والحوت فى بحر، والبحر على الظلمة، ونحو ذلك من الأقوال الباطلة، وهل ترى الظلمة جسما يحمل شيئا، ولزم التسلسل، فدع السلسلة الى قدرة البارى الماسك لها بالتكوين دون مركز، ولعل بعض الفراعنة الذين يعبدون البقر وضع ذلك عمدا أو تعمد أن الثور المعبود هو الواسطة فى حرثها وغرسها ومنفعها، ونسى هذا المعنى المجازى، وحمل الكلام على ظاهره.
{ وأنْبتْنا فيه من كُل زوج } صنف { بَهيجٍ } حسن يسر الناظرين.