التفاسير

< >
عرض

آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ
١٦
كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
١٧
-الذاريات

تيسير التفسير

{ آخذِين } حال من ضمير الاستقرار، أى نائلين وقابضين { ما أتاهُم ربُّهم } كمن قبض ما وعد له، ولم يخلف، وحاصله أنهم اتصلوا بما وعدهم به، ولم يفتهم أو قائلين لكل ما آتاهم ربهم، لأنه ليس فيه شىء غير كامل، وفى هذا الوجه ضعف، إذ لا يتوهم المؤمن نقصا فيدفع، والكفار نفوا الثواب والبعث البتة، فلا يصح على ظاهره، بل على وجه الكناية عن الكمال فقط، ولو أعطى المؤمنون الموت، أو نعما كنعم الدنيا لرضوا أعظم الرضا، اذ نجوا من النار { إنهم كانُوا قَبْل ذلكَ } أى كانوا فى الدنيا، فالاشارة الى اليوم أو الوقت أو البعث { مُحْسِنين } آتين بأعمال حسان، فاستحقوا الجنة وما فيها، والجملة تعليل، وبين الله عز وجل بعض احسانهم بقوله:
{ كانُوا قَليلاً مِن الليل ما يهْجَعُون } الى قوله: { والمحروم } وأشار الى باقى أعمالهم بهذه الخصال، لأن من حاله هذه لا بد أن يكون قد وفى بغيرها أيضا، ولأن هذه نوافل فلا بد أن يكونوا قد أتوا بالفرائض وما دون تلك النوافل مما هو أخف منها، وذلك قبل فرض الفرائض كما قيل على ضعف ما آتاهم ربهم من الفرائض أنهم كانوا قبل نزول الفرائض محسنين بالنفل، والآية فى قوم مخصوصين، أو شدد على الناس أول الاسلام، ثم نسخ التشديد والا فليس كل المؤمنين قليلا من الليل ما يهجعون، والجملة مستأنفة لبيان البعض، والاستئناف لا ينافى البيان، فلا حاجة الى جعلها بدلا من جملة خبر ان، ولا الى جعلها تفسيرية نحوية لا محل لها، وعلى الابدال تكون بدل بعض.
ويجوز أن تكون خبرا ثانيا، والهجوع النوم مطلقا أو نوم الليل، أو النوم القليل، وقليلا مفعول مطلق أى هجوعا قليلا، ومن بمعنى فى متعلق بيهجعون، أعنى بيهجع من جمل يهجعون، وكذا مرادى فى مثل ذلك، أو قليلا ظرف زمان، أى زمانا قليلا متعلق بيهجع، ومن للتبعيض تعلق بمحذوف نعت لزمانا المقدر، وما صلة للتأكيد، أو ما مصدرية، والمصدر فاعل لقليلا، وقليلا خبر كان لا ظرف ولا مفعول مطلق، أو هجوعهم بدل من واو كانوا بدل اشتمال، وقليلا اعتبر فيه البدل فأفرد، أو المبدل منه، وافرد لفظا، والمعنى جمع كما مر فى فعيل بمعنى فاعل، ومن بمعنى فى متعلق بيهجع، وأجيز أن تكون ما نافية، أى لا يهجعون قليلاً من الليل، بل يحيونه كله على أنه لا صدر لما النافية مطلقاً، أو ان لم تعمل عمل كان، او على التوسع فى الظرف، فيكون ذلك مدحا لهم بنفل يعم الليل، ولا اشكال فى ذلك، ولم يطلب ذلك منهم على الوجوب.
وقيل: كان قيام الليل كله واجبا، ثم نسخ الوجوب بعد شهرين، وكان أبو ذر يعتمد على العصا يهجعون قليلا من الليل، ويصلون أكثره، وعن ابن عباس: المعنى أنه قلت ليلة لا يصلون فيها إلا الفرض وأكثر لياليهم الصلاة أول الليل، أو وسطه، أو آخره، وروى أبو داود: أنهم يصلن بين المغرب والعشاء أى فى الليل وقت لا يضجعون فيه، بل يصلون فيه وقيل: كانوا لا يناموا حتى يصلوا العشاء، ووقف بعض على قليلا وابتدأ بقوله: { من الليل ما يهجعون } أى مثلهم قليل الوجود، ولا يهجعون البتة، وقيل: قل ليل ناموه كله.