التفاسير

< >
عرض

وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ
٢٢
فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ
٢٣
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ
٢٤
-الذاريات

تيسير التفسير

{ وفي السَّماءِ رزقُكم ومَا تُوعَدون } فى جهة العلو الشاملة للسحاب، والسماء الدينا وما فوقها، واللوح المحفوظ، والمراد تقدير رزقكم وأسبابه من القمرين والنجوم، والمطلع والمغارب التى تحصل بها الفصول التى هى مبادىء الرزق، وذلك على تقدير الاضافة كما رأيت، أو على جعل وجود الأسباب فيها وجودا للمسبب، وعطف ما توعدون عام على خاص، فانه كل ما قضى الله تعالى من كل خير وشر، والثواب والعقاب، وقيل: السماء السحاب، والرزق المطر، وما توعدون الجنة والنار، زعم بعكن أن النار فى السماء، وقيل: المراد الجنة فوق السماء السابعة تحت العرش، وقيل: أمر الساعة، وقيل: الثواب والعقاب، لأنهما معينان فيها، وقيل: ما مبتدأ موصولة خبرها هو قوله:
{ فَوربِّ السَّماءِ والأرض إنَّه لحقٌّ } وهاء انه عائد اليها، والصحيح ما مر من عطف العام على الخاص، والهاء لما أو للرزق أو لله تعالى، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو للقرآن لدلالة المقام، أو للدين فى
" { وإن الدين لواقع } " [الذاريات: 6] أو لليوم فى " { أيان يوم الدين } " [الذاريات: 12] أو ما ذكر من أول السورة { مِثل ما أنَّكم تَنْطقُونَ } ما صلة كما قال الخليل، ومثل مفعول مطلق أى حق ذلك حقا مثل نطقكم، كما لا شك فى نطقكم الواقع، أو فى قدرتكم على النطق لا شك فى ذلك، نقول: هذا حق، كما أنك ترى وتسمع أو حال واضافته للمصدر المعرف لا تفيد تعريفا، وصاحب الحال الضمير فى حق.
وإن جعلنا ما نكرة موصوفة، والمصدر مما بعدها خبر لمحذوف، والجملة نعت ما، فمثل مضاف لنكرة، أى مثل شىء هو نطقكم، أو مثل نطق هو نطقكم، أى لا شك فى ذلك كما لا شك فى أنكم تنطقون، أو كما أنك تنطق بلسانك لا بلسان غيرك، كذلك تأكل رزقك لا رزق غيرك، والواو للقسم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قاتل الله قوماً أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوه" .
أقبل الأصمعى من جامع البصرة فلقى أعرابيا على ناقة فقال: ممن؟ فقال: من بنى أصمع، قال من أين؟ قال من موضع يتلى فيه كلام الله، قال: اتل علىَّ، فتلا: "والذاريات" الى "رزقكم" فنحرها وقسمها، وكسر سيفه وقوسه، وحج الأصمعى مع الرشيد، وسمع فى طوافه بصوت رقيق، فاذا الأعرابى ناحلا مصفرا، وسلم واستقرأه السورة، فلما قرأ الآية صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، وصاح وقال ثلاثا: من أغضب ربنا حتى حلف، ومات فى حينه.
وسلى الله تعالى رسول صلى الله عليه وسلم، وهدد قومه بقصة ابراهيم ولوط على جهة التعظيم لها، بالتمهيد لها، كالتبويب لشىء عظيم فقال:
{ هَل أتاك حَديثَ ضيْف إبرْاهيم المُكْرمين } عند الله عز وجل: وعند ابراهيم، كما قال فى شأن الملائكة:
" { عباد مكرمون } "[الأنبياء: 26] وكما خدمهم ابراهيم بنفسه وطلاقة وجهة وزوجه، وعجل لهم طعام الضيافة، ورفع مجالسهم، وهم جبريل وميكائيل واسرافيل، وقيل: هم اثنا عشر ملكا، وسماهم ضيفا لأنهم بصور الضيف، وحسبهم ابراهيم ضيفا والضيف يطلق على الواحد فصاعدا، لأنه فى الأصل مصدر بمعنى الميل، والآية وما بعدها فى معنى، هل علمت قصة ابراهيم ولوط عليهما السلام، يكرمك الله كما أكرمهما، ويهلك مكذبك كما أهلك مكذبيهما، والله أكرمهم بالعبادة والعصمة، وباضافة خير الخلق يومئذ ابراهيم، وبتعجيل الضيافة، ثم ان كانت هذه الآية أول آية نزلت فى ضيف ابراهيم، فالاستفهام للاعلام بما لعد أداته، كما تقول لمن لم يعلم بقيام زيد ليعلم به: هل علمت أن زيدا قام؟ أو هل أتاك قيامه؟ وإلا فللتقرير.