التفاسير

< >
عرض

يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ
٢٣
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ
٢٤
-الطور

تيسير التفسير

{ يتنازعون فيها كأساً } يأخذ كل من الآخر كأسا بعد شربه كصورة التجاذب بالقهر، أو الملاعبة، وليس قهرا ولا ملاعبة، ووجه هذا التجوز أن النفس تحب اللهو، وتحب القهر، فلهم تلذذ بهذا المحبوب دون حقيقة، واختار بعض أن المراد تجاذب الملاعبة، كما اعتاد بالندماء، والكأس الاناء مع ما فيه من خمر أو غيرها، وشهر أنه الاناء الذى امتلأ خمرا أو كاد يمتلىء، ويسمى كأسا بلا مائع فيه، ويسمى ما فيه كأسا مجازا لعلاقة الحالية والمحلية.
{ لا لَغْو فيها } أى فى الكأس، باعتبار شربها أى شرب ما فيها، والذى يتنازع هو نفس الكأس لا خمرها لا بالتبع، واللغو لا يكون داخل الاناء، وانما المراد فى شأن من أخذها شرب ما فيها، فالمراد لا لغو فى شأنها، أو عندها، واعتبر أن العربدة والتأثم تكون بشرب الخمر، ففسر الكأس بنفس الخمر، والضمير لها بمعنى الخمر، والكأس مؤنث فيها شىء أولا، والخمر مؤنث، واللغو ما لا فائدة فيه من الكلام ذنبا أو غيره { ولا تأثيم } نسبة الى الاثم، وهو الذنب بكلام يكلم به شاربها مما لا يجوز، ولا بتحريم شربها إذ لا ذنب عليهم فى شربها، كما أن فى خمر الدنيا لغوا وتأثيما واقترافا لذنب بشربها لتحريمها، بل يتكلم أهل الجنة فى حال الكأس بأحاسن الكلام، ولا يتكلمون بكلام فيه نسبة الغير الى الاثم، مثل يا سارق، أو يا زانى، أو فلان سارق أو زانٍ، ولا كلام يعد ذنبا كالاشراك، فينسب اليه أنه آثم { ويَطوف } بالكأس { عَليْهم غِلمانٌ لهُم } خلقهم وملكهم الله جل وعلا، وغلمان اليهود والنصارى وسائر المشركين والأشقياء، فهؤلاء خدم أهل الجنة، وأما أولادهم الذين ألحقوا بهم فهم ملوك فيها لا خدم { كأنَّهم لُؤلؤ مَكْنُونٌ } فى صدفه، ووجه الشبه البياض وعدم الوسخ بيد أو غيرها، أو كأنهم لؤلؤ كنه مالكه فى حرز عظيم لعظم ثمنه، قيل: يا رسول الله هذا الخادم فكيف المخدوم؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
"والذي نفسي بيده لفضله عليه كفضل البدر على سائر الكوكب" وغلمان جمع كثرة، كما يروى أن أدنى أهل الجنة ينادى الخادم فيحضر مائة ألف بابه قائلين: لبيك لبيك، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: ما من احد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام كل واحد منهم على عمل غير عمل صاحبه.