التفاسير

< >
عرض

وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ
٣٩
-النجم

تيسير التفسير

إلاّ ما سعاه، أو إلا سعيه، ويقدر مضاف، أى الا ثواب ما سعاه أو ثواب سعيه، أو ما سعاه هو ماله هو الجنة، سماه باسم ملزومه أو اسم سببه وهو الفعل المعبر عنه بالسعى، والحصر باعتبار غير هذه الأمة، وأما هذه الأمة، فلها ما سعت وما سعى لها، كما جاء به الحديث، وهو على عمومه فرضا ونفلا تؤدى الفرض عمن لزمه، والنفل كقضاء دين عمن هو عليه ولو حيا، وتنوى النفل لمن شئت ولو حيا، ومن ذلك قوله تعالى" { ألحقنا بهم ذريتهم } " [الطور: 21] لأنها ألحقت بهم لأعمالهم.
وعن عائشة رضى الله عنها:
"قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عليها؟ قال: نعم" وعن ابن عباس قال: "قال رجل: يا رسول الله نذرت أمي الحج فماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم كما تقضي عنها الدين وحق الله أحق بالقضاء" وقال سعد بن عبادة: "هل لأمي أجر اذا تصدقت عنها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم" وعنه صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه" وكذا غيره من العبادات، ودعوى نسخ هذا الحديث باطلة لا دليل عليها، وقال صلى الله عليه وسلم لولد العاصى بن وائل: "لو كان العاصي مقراً بالتوحيد فصمت أو تصدقت عنه نفعه" ولهذه الأحاديث صح أن يقال: الآية جارية على هذه الأمة، من نوى لأحد خيرا فهو قائم مقامه، فالمنوى له ساع لنفسه مجازا جمعا بين الحقيقة والمجاز، أو من عموم المجاز، وهو تحصيل الخير.
وأيضا سعى الانسان لنفسه سبب لاعتبار سعى غيره له، فسعى غيره له كسعيه إذ كان سبب قبوله على الجمع بين الحقيقة والمجاز، أو عموم المجاز، وسأل عبد الله بن طاهر، وهو والى خراسان، الحسن بن الفضل عن هذه الآية مع قوله تعالى:
" { والله يضاعف لمن يشاء } " [البقرة: 261] فقال: ليس للإنسان بالعدل إلا ما سعى، وله بالفضل المضاعفة بما شاء الله تعالى، فقبل رأسه، وقيل: الانسان فى الآية الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى له، وعن ابن عباس: الآية نسخت بقوله تعالى: " { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم } " [الطور: 21] الخ واعترض بأنه لا نسخ فى الأخبار، بل الآية لمن قبلنا، وأما نحن قلنا ما عملنا وما عمل لنا، وقيل: اللام بمعنى على، ووجهه أن الآية فيمن قال افعل كذا أو احمل ذنبك، فقال الله عز وجل: لك ذنبك خاصة لا ذنب غيرك، ومن ذنب الانسان اضلاله غيره وهو غير متبادر.
وأيضا الخطاب لمن أعطى قليلا وأكدى، ويجوز أن يكون المعنى انما يتصور للانسان أن يقول: لى كذا من سعيه، وما لم يكن من سعيه، بل بزيادة فضل الله تعالى، وهبة غيره له ثواب عمل عمله له، فليس مما يقول هو لى، يقول هبة وتفضل، والحق أن ما يوهب من النفل من صلاة أو مال أو قراءة أو غير ذلك لميت أو حى، يصح له كما صح بالمكاشفة والرؤيا، والأخبار ولو نواه له، أول العمل، والأولى أن يؤخر الهبة الى أن يتم، ولا يضره الخطور بباله، وعن الشافعى: كمالك أن العمل البدنى المحض كالصلاة والصوم والقراءة لا يصل، ويصل نحو الصدقة والحج، وقال جماعة من أصحاب الشافعى: تصل، واشترط بعض نية الهبة من أول، وعكس بعض فقال: لا يهب العمل لمن يشاء إلا بعد تمامه، ولو قصده فى قلبه من أول، وليس ذلك منافيا لقوله: لوجه الله تعالى صالح عملى، لأن المراد دعاء الله أن يقبله عنه، ويعطيه فلانا، ويصل العبادات كلها الميت.
وعن الشافعى لا يصل الميت ثواب القراءة، وكذا سائر التطوعات، رفعت امرأة صبيّاً وقالت:
"يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر" كما فى مسلم، والعبادات من الطفل تصح كالصلاة والصوم والحج والقراءة، وله ثوابها لا لأبيه أو غيره، إلا أجر التعليم له فيها، والأمر له بها، ولا تجزى عن فرض إذا لزمه بعد البلوغ، ولو أعطى زكاة ماله لأجزت ان عقل ونوى، وقال أبو حنيفة، لا ثواب له، ويرده الحديث.