التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٢٢
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ
٢٣
فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ
٢٤
أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ
٢٥
-القمر

تيسير التفسير

{ ولَقَد يسَّرنا القُرآن للذِّكر فَهَل مِنْ مُدَّكرٍ * كذَّبت ثمودُ بالنُّذر } بالمنذرين وهم الرسل، أو بالانذار أو بالانذارات على حد ما مر، والمكذب برسول أو بانذاره مكذب لجميع الرسل، أو بانذارهم كلهم، لأن أصلهم واحد وهو التوحيد وتوابعه، ورسولهم واحد، وهو صالح عليه السلام، وتكذيبه تكذيب للكل، ولعلهم أيضا كذبوا بكل الرسل صراحا، والظاهر أن المراد انذاره للأفراد بقوله:
{ فقالوا أبَشراً منَّا واحداً نتَّبعُه } منصوب على الاشتغال أى أنتبع بشرا واحدا، ومنَّا متعلق بمحذوف نعت أى أبشرا ثابتا منَّا، أى من جنسنا، وواحدا نعت ثان الا أنك قد علمت أن واحدا من الرسل كالكل، ويجوز أن يكون من ضمير الاستقرار فى منَّا، ومعنى واحدا أنه لا أتباع له على دينه الذى يدعونا اليه، وهذا قبل أن يكون له أتباع، أو كانوا قليلا فعدُّوهم كالعَدَم، أو المراد واحدا من آحادهم لا من أشرفهم وكذبوا، فإنه أشرفهم الا أن يريد وأشرف كثرة المال، وأخره مع أنه صفة صريحة أشبه بالفعل، ومنَّا غير صريح فى ذلك، بل نائب عن ثبت أو عن ثابت للتنبيه على أن كل واحد من كونه منهم، وكونه واحدا استقل بمنعهم عن الايمان، ولو قدم واحدا لم يفد ذلك، كذا قيل.
قلت: يفيد ذلك قدم أو أخر، وانما قدم منَّا ليدل دلالة بتقديمه على أن الجنسية أشد فى منع الايمان عندهم من الانفراد، قيل: ذكر بعض أن أبا عمر الدانى قرأ برفع بشر وواحد، وانما ذكره لأنه امام عظيم أندلسى أيده قراءة من قرأ بالرفع.
قلت: لم يذكره لأنه قرأ بذلك، بل ذكره عطفا على من حكى الرفع عن أبى السمال { إنَّا إذاً } اذا اتبعناه وهو بشر منَّا واحد { لَفي ضلالٍ } عظيم عن الصواب والرشا، وصائرون فى سفه { وسُعُرٍ } جنون قال:

كان بها سعراً إذ العيس هزها ذميل وارخاء من السير متعب

اى تشتد فى السير كأنها مجنونة، وهو مفرد، ويجوز أن يكون جمعا لسعير، وهى النار أى إنا إذن لفى ضلال ونيران، واختاره بعض المحققين أى شىء مهلك كالنار الكثيرة المتعددة، ولو كان واحد وهو الايمان، أو اعتبروا أن كل جزء من الايمان والنطق به نار، أو الايمان نار، وكل واحد من توابعه نار، أو كان صالح عليه السلام يقول لم الايمان حق، وخلافه دركات النار، فعكسوا كلامه { أألقي عليه الذِّكْر } الموحى الذى يزعم انه ذكر، ولفظ ألقى إشعار بأنه ألقى عليه ما يأمرنا به معاجلة ومجازفة بلا تدبر { مِن بيْننَا } دوننا مع أنا أحق به لو كان حقا، لأن لنا اتباعا وشرفا { بل هُو كذَّابُ أشِرٌ } أفسدته النعمة، ولم يقم بحقها وضعها فى غير موضعها مسرفا بها.