التفاسير

< >
عرض

فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢١
يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ
٢٢
فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٣
وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ
٢٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٥
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ
٢٦
وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ
٢٧
-الرحمن

تيسير التفسير

{ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا } من عدم اختلاطهما وإِغراق ما بينهما من الأَرض ومن السفر فى كل منهما على حدة ومن إبطال المالح حلاوة العذب ومن الاصطياد فى كل منهما لما فيه من سمك وجواهر، ثم تذكرت قوله تعالى: { تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤلُؤُ } الدر الصغار بوزن الجؤجؤ للصدر وقرية بالبحرين والدودء لأَخير الشهر أو ليلة خمس وعشرين وليلة ست وعشرين أو ليلة سبع وعشرين أو ليلة ثمان وعشرين وليلة تسع وعشرين أو ثلاث ليال من آخره، والبؤبو بالموحدة الأَصل والظريف ورأس المكحلة وإِنسان العين ووسط الشئ واليؤيؤ بالمثناة التحتية لطائر كالباشق، والضؤضؤ الأَصل للطائر مطلقا والنؤنؤ بالنون لمكثر تقليب الحذقة والعاجز الجبان، والشؤشؤ لدعاء الحمار إِلى الماء ولزجر الغنم والحمار للمشى أو لدعاء الغنم للأَكل أو للشرب. { وَالمَرْجَانُ } الكبار، كما أن اللؤلؤ صغاره عند على ومجاهد وابن عباس وعنه عكس ذلك، وعن ابن مسعود المرجان الخرز الأَحمر، فاللؤلؤ الدر الصغار والكبار، وقد قيل إِنهما يخرجان من بحر النيل إلا أن الأجود والأَكثر يكون من المالح، ويقال إِنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من المالح، فالمراد بقوله { مِنْهُمَا } المجموع وذلك كقوله تعالى: { { وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا } } [نوح: 16] وقوله تعالى: { { عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } } [الزخرف: 31] وكأَنه قيل من أحدهما، وهذا واقع فى نفس الأَمر، ولم أرد أن يقدر مضاف، فإِن المعنى ليس على تقديره بل الامتنان بالمجموع، وقيل إِنما يخرجان من ملتقى البحرين، ويرده المشاهدة فإِنهما يخرجان من المالح مطلقا، وقيل لما التقيا صارا كواحد، فالخارج من أحدهما كأَنه خارج من الآخر وقدر بعضهم المضاف أى من أحدهما وقيل يخرج من الملح لكن بتوسط ماء السماء كاللقاح له، فصح أنه منهما، كما يقال الولد يخرج من الذكر والأُنثى، وقيل يكون اللؤلؤ والمرجان بماء النيسان تلقفه الحوت فيكون الحوت صدفا يتضمنهما، { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا } من التحر بهما والتزين بهما وإِزالة الخفقان ونتن ريح الأَنف والفم وضعف الكبد والكِلى والحصى وحرقة البول والسدد واليرقان وأمراض القلب والسموم والوسواس والجنون والتوحش والجذام والبرص والبهق والآثار فى البدن مطلقا بالطلى وغير ذلك من المنافع والخرز الأَحمر يفرح ويزيل فساد الشهوة ولو تعليقا، ونفت الدم والطحال شربا والدمعة والبياض والجرب كحلا وغير ذلك.
{ تُكَذِّبَانِ، ولهُ الْجَوَارِ } لا لغيره وكل شئ له وخص الجوارى بأَنها له لأَن الناس صنعوها، وكونها مصنوعة لهم لا يمنع أنها له، لأَنه هو الذى خلق خشبها وغيرها وفعلهم وخلق له أثرا إِذ لا مؤثر غيره تعالى وهو خالق منفعتها ومجراها فى البحر، والياء محذوفة بعد الراء لفظا وخطا والجوارى السفن حقيقة لغوية لا مجاز، مأخوذ من المشى على الأَرجل ولو كان أصله وصفا.
{ المُنشَآتُ } المرفوعات الشرع، يقال أنشأَت الشئ أى رفعته أو المبعوثات المجراة بالقلوع، ويضعف قول بعض: المرفوعات على الماء ولكن فيه حكمة التنبيه على قدرة الله تعالى فى إِبقاء شئ ثقيل على الماء بلا رسوب، وخلق ذلك بالتجويف وأراهم صنعه ولو شاء لخلقه بغير التجويف، والمتبادر أن المعنى المصنوعات لأَن السفن تصنع فى طرف البحر، وضعف بعضهم القول بهذا وقيل المعنى المحدثات المخلوقات المسخرات.
{ في الْبَحْرِ } متعلق بالمنشآت أو حال { كَالأَعْلاَمِ } حال جمع علم وهو الجبل الطويل على ما يتصل بالماء وإِلى جهة السماء. { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا } من أقداركم على صنعها وخلق ما تصنعونها به وركوبها والحمل عليها وإِجرائها { تُكَذِّبَانِ * كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا } أى على الأَرض كما يعلم من المقام ولو بدون استحضار قوله تعالى
{ { وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } } [الرحمن: 10] ومن لعموم العاقل وغيره تغليبا للعاقل أو الناس والجن { فَانٍ } زائل الحياة وأما الأَبدان فليست كلها تفنى، لأَن منها ما يبقى وفى ذلك زجر عن أن يفوتك بعض من عمرك فى غير طاعة ولو قليلا { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ } الإِضافة للبيان، أى ذات هو ربك سبحانه كاستعمال الجزء فى الكل على التجوز الإِرسالى الأَصلى تعالى الله عن الأَجزاء وعن الكل، وقيل اصله الجهة واستعماله فى الذات كناية، وقيل الوجه القصد بمعنى المقصود أى ويبقى ما يقصد به ربك من الأَعمال الصالحة وحكمته أن الأَجسام تفنى ويبقى ما أثرت من الأَعمال للجزاء، ويبحث بأَن الأَجسام أيضا تبعث فكيف يخص البقاء بالأَعمال، وأن فيه تفسيرا بالمصدر وتفسير المصدر باسم مفعول وكون الإضافة للملابسة لا للفاعل كقولك مقسوم زيد تريد منابه من القسمة وقيل وجه ربك الجهة التى أمرنا الله بالتوجه إِليها وهى العمل الصالح، وفيه أن الأَجسام تبقى أيضا بالبعث ولا يخفى ضعف القولين هذين، إِلا أن الثانى فيه قرب، وفى القولين نظر لأَنهما لا يفيان بكل من عليها لاشتماله على من أشرك أو فسق، وقيل وجه ربك الجهة التى يليها الحق ويتولاها بتفضله بها على من يشاء وذلك باق فى كل وقت، والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح له على العموم البدلى.
{ ذُو الجَلاَلِ } أى العظمة التى يعظمه الموحدون بها أو هو بمعنى الإِجلال إِذ ينزهه عن صفات الخلق من يعرفه أو المراد من هو جليل فى ذاته من المخلوقات فإِن الله مالكه، فيقال ما أجلك وما أعظمك أو أهل لأَن يقال هو جليل فمعناه جليل أو المعنى ذو جلال للموحدين أى تعظيم لهم منه تعالى، وفسره بعض بالاستغناء التام { والإِكْرَامِ } يكرم خلقه أى ينعم عليهم كلهم أو يكرم المؤمنين بالإِسلام والجنة، وفسره بعض بالفضل التام وكل محتاج حقير وذو نعت لوجه، وقرأ أبى (ذى) نعتا لرب. وفى الحديث ألحُّوا بيا ذا الجلال والإِكرام وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه مرَّ برجل يصلى ويقول: يا ذا الجلال والإكرام فقال: قد استجيب لك، قال أنس: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجل يصلى ثم دعا فقال:
"اللهم إِني أسأَلك بأَن لك الحمد لا إِله إلاَّ أنت المنان بديع السماوات والأَرض ذو الجلال والإِكرام، يا حي يا قيوم، فقال - صلى الله عليه وسلم - أتدرون بما دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه الأَعظم الذي إِذا دُعِي به أجاب وإِذا سئل به أعطى" ، وقاعدة المغاربة حذف ألف الجلال فى الخط لأَنها متصلة باللام فى كلمة فوق ثلاثة أحرف وحذف ألف تكذبان فى الخط، لأَنها ألف التثنية وفى نسخ ثبوتها.