التفاسير

< >
عرض

فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٨
يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
٢٩
-الرحمن

تيسير التفسير

{ فَبِأَيِّ آلاءِ ربِّكُمَا } من كونه ذا إِكرام وكونه يجل الموحدين على وجه مما مر وكونه جليلا لا يغلبه أحد، فإِن هذا عز لأَوليائه يعزهم وكون الأَحياء يفنون والأَعمال تبقى للجزاء، فإِن فناءهم مفتاح للبقاء الدائم وللجنة ونعيمها الدائم لأَنهم يدخلونها بعد الموت وأيضا الإِخبار بالفناء تلويح إِلى أن لا يرغب فى الدنيا ولا يعصى الله فيها بل يرغب فى الطاعة والإِثابة عليها إِكرام ونعمة متبوعة فأُشير إِليها بالإِكرام وإِلى العقاب بذكر الجلال، وفيه أنه لا تلويح فى الآلاء إِلى العقاب إِلا أن يتكلف أن الزجر عن المعصية بذكر الفناء نعمة { تُكذِّبانِ. يَسْأَلُهُ } كل حاجة دينية أو بدنية { مَن في السَّماواتِ والأَرْضِ } من العقلاء الملائكة والإِنس والجن يلهمه الله سبحانه السؤال من غيرهم، ويجوز أن المراد بالسؤال ما يشمل السؤال بلسان الحال، وأما السؤال بالقلب وحده فلا إِشكال فيه وهو ملتحق بالسؤال باللسان مع القلب، وكل موجود يحتاج فى بقائه إِلى مبق وهو الله - جل جلاله وعلا - والملائكة يسأَلونه للمؤمنين وزيادة القوة على العبادة وعن أبى صالح يسأَله الملائكة الرحمة أى الرضا عنهم وعن المؤمنين ويسأَله من فى الأَرض المغفرة والرزق، وفسر الآية بالعقلاء فقط. وعن ابن عباس: أهل السماوات يسأَلونه المغفرة، وأهل الأَرض يسأَلونه الرزق والمغفرة، وقيل كل أحد يسأَله ما يحتاج إِليه من دنيا أو أُخرى، وعن ابن جريج يسأَله الملائكة الرزق لأَهل الأَرض والمغفرة وأهل الأَرض يسأَلونهما وأنا متعجب من أين التخصيص إِلا إِن أُريد التمثيل والصواب التعميم فى كل حاجة ودخل فيها سؤال دفع المضار بل شملت الآية سؤال المعاصى، وهو محرم بمعنى أنكم تحتاجون إِلى الله تعالى فى كل شئ.
{ كُلَّ يومٍ } كل وقت ولو دق كلحظة متعلق بفى شأن، ولو كان عاملا معنويا للتوسع فى الظروف بالتقدم أو متعلق بما تعلق به فى شأن. { هُوَ فِي شَأْنٍ } أى على شأَن أى أمر من الأُمور كإِعطاء ما سأَلوا وإِنشاء أجسام وجواهر وسائر أعراض وأحوال وأشكال وإِفناء ذلك، ومن شأَنه أن يحيى ويميت ويرزق ويعم ويذل ويشفى مريضا ويسقم صحيحا ويفك عاتيا ويفرج عن مكروب ويجيب داعيا ويعطى سائلا ويغفر ذنبا وغير ذلك إِلى ما لا يحصيه إِلا الله - عز وجل - مما يقع. وعن ابن عباس خلق الله - عز وجل - لوحا من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور، ينظر الله تعالى فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء، فذلك قوله تعالى كل يوم هو فى شأَن، وعن سفيان بن عيينة: الدهر عند الله يومان أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة، وشأَن الدنيا التكليف بالأَمر والنهى والإِحياء والإِماتة والإِعطاء والمنع وشأَن يوم القيامة الجزاء والحساب والثواب والعقاب. وقال الحسن ابن الفضل: الشأن سوق المقادير إِلى المواقيت أى وجود الأُمور والأَشياء فى أوقاتها، وفى البخارى وابن ماجه عن أبى الدرداء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
"في هذه الآية من شأَنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين" ، وزاد البزار من رواية أبى الدرداء: "ويجيب داعياً" ، والحديث إِما تمثيل وإِما بيان لما أُريد فى الآية، وغيره مستفاد من الآى الأخر والأَحاديث الأُخر. ومن التمثيل ما قيل كل يوم ثلاث عساكر عسكر من الأَصلاب إِلى الأَرحام وعسكر من الأَرحام إِلى خارجها وعسكر من الدنيا إِلى القبور ولا يخفى أن شأن الدنيا الإِيجاد والإِعدام، وشأَن الآخرة الجزاء وفيها أيضا إِيجاد اللذات والآلام وإِيجاد المأَكول والمشروب وإِفناؤهما وإِفناء الحيوانات ولا مانع من شمول الآية الآخرة، فبعد الأَزل لا ينقطع الإِيجاد والإِعدام والزمان سيال يخلقه الله تعالى شيئا فشيئا، فهو حادث لا ينقطع ولو عند موت الخلق كلهم فهو داخل فى الآية، فمن شأَنه خلقه الأَزمان، وفى الآية رد على اليهود إِذ قالوا إِن الله تعالى لا يخلق يوم السبت شيئا، وقد قيل نزلت الآية فى قولهم ذلك، وحديث أنَّ القلم جف بما يكون معناه القضاء لا الإِيجاد والإعدام خارجا. ويروى أن ملكا سأَل وزيره عن الآية وأمهله لغد وحزن لذلك، فقال عبد له أسود: أخبرنى بما أحزنك فأَخبره. فقال أنا أفسرها للملك. فأَعلمه فقال: أيها الملك شأَنه أن يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل ويخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويشفى سقيما ويسقم سليما ويبتلى معافى ويعافى مبتلى ويعز ذليلا ويذل عزيزا ويفقر غنيا ويغنى فقيرا. فقال الملك: أحسنت وخلع عليه ثياب الوزارة. فقال: يا مولاى هذا من شأَن الله عز وجل.
وقال عبد الله بن طاهر للحسين بن الفضل: ما معنى فأَصبح من النادمين، والندم توبة؟ وما معنى كل يوم هو فى شأن، وقد جف القلم؟ وما معنى وأن ليس للإِنسان إِلا ما سعى والحسنة بعشر وأكثر؟ فقال: ليس الندم توبة فى تلك الأُمة أو ندم على حمل هابيل مقتولا، وأن ليس للإِنسان إِلا ما سعى لغير هذه الأُمة ولهذه الأُمة ما سعت وما سعى لها وأضعاف الحسنة وكل يوم هو فى شأن إِنجاز ما قضى فقبل عبد الله بن طاهر رأسه.