التفاسير

< >
عرض

فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٦
فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ
٣٧
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٨
فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ
٣٩
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٠
يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ
٤١
-الرحمن

تيسير التفسير

{ فَبِأَيِّ آلاَءِ ربِّكُمَا } من نعم التهديد الزاجر عن أنواع المهالك إِلى أنواع المفازات.
{ تُكذِّبانِ. فإِذَا } جوابها محذوف يقدر بعد قوله كالدهان للتهويل، أى كان مالا تسعه دائرة الكلام أو رأيتما أمرا هائلا أو الجواب قوله تعالى: فيومئذ، إِلى آخره.
{ انشَقَّتِ السَّماءُ } سماء الدنيا والسموات الست تزال بلا انشقاق وقيل انشقاقها عبارة عن خرابها، وقيل تنشق لنزول الملائكة وقيل عبارة عن شدة الهول.
{ فَكَانتْ ورْدةً } تشبيه بليغ كأَنها نفس النورة التى تنبت ولها رائحة ووجه الشبه اتفاق اللون فى الحمرة عند قتادة، وذلك بحرارة النار، وعن ابن عباس كأَنها نفس الفرس الورد أى الشبيه بتلك النورة فى الحمرة، وفيه أن التشبيه بالأَصل وهو تلك النورة أولى من التشبيه بما شبه به. نعم قال الكلبى والفراء الفرس الورد هو الذى يصفر ربيعا ويحمر شتاء ويغبر فى شدة البرد فيحسن تشبيه السماء به لجامع ذلك التلون، وقيل المراد وردة صفراء.
{ كالدِّهانِ } خبر ثان لكانت لا نعت لوردة إِذ لا شبه بين الوردة والدهان، وهو دردرى الزيت إِلا إِن فرضنا أن الورد يذوب فنقول: تذاب السماء بحر نار جهنم، فوجه الشبه الذوبان وقيل اللمعان وقيل الدهان أنواع الدهن المختلفة بعض أحمر وبعض أصفر وبعض غيرهما وهو جمع دهن كقرطٍ وقراط أو مفرد كحزام وإِدام، وعن ابن عباس الدهان الجلد الأَحمر فهو مفرد وقيل جمع وقيل لون السماء حمرة والخضرة التى نرى للبعد، وفيه أن قوله عز وجل فكانت وردة يدل على حدوث اللون فيها. { فَبِأَيِّ آلاءِ ربِّكُما } نعمه التى تضمنها الزجر عن المعصية الداعى إِلى نعم لا تحصى، المنجى من شرور لا تستقصى، وقد كان عدلا أن يأَخذكم بأَول معصية بعد الزجر ولم يفعل. { تُكَذِّبَانِ. فَيَوْمَئِذٍ } يوم إِذا انشقت السماء أى تنشق متعلق بيسأَل بعده وإِذا جعل هذا وما بعده من الجملة جواب إِذا ففيه تأَكيد لأَن قوله تعالى: فإِذا انشقت السماء، مغن.
{ لا يُسْأَلُ عن ذَنبهِ } ما هو ولاكم سؤال استفهام حقيق ليعلمه من جهتهم، لأَن الله تعالى عالم به فهو يجازى عليه لا يفوته ولأَنه كتب ولأَنه يُعرف المجرمون بسيماهم بل يسأَل سؤال توبيخ أو تقرير وهكذا كلما نفى السؤال فهو لاستفهام الحقيق وإذا ثبت فهو استفهام توبيخ أو تقرير كقوله تعالى:
{ { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِين } [الحجر: 92] ثم اطلعت أن ذلك مذهب ابن عباس، وقيل لا يسأَلون سؤال رحمة، وقيل لا يُسأَل غير المجرم عن ذنب المجرم، وقيل يسأَلون فى موطن من مواطن يوم القيامة، ولا يسأَلون فى موطن آخر وتنطق جوارحهم فيه، وقيل نفى السؤال عند الخروج وأثبت عند السؤال، وقيل نفى السؤال عن الذنب وأثبت السؤال عن الباعث على الذنب وضمير ذنبه للإِنس لأَن قوله إِنس فى نية التقديم لأَنه نائب فاعل وإِفراد الضمير لأَن الإِنس يطلق على الفرد كما هنا وعلى الجماعة.
{ إِنْسٌ } آدمى { وَلاَ جَانٌّ } منسوب إِلى الجن والتقدير ولا جان عن ذنبه { فَبِأَيِّ آلاَءِ ربِّكُمَا } النعم التى تضمنها بأَنه لا يسأَل مذنب عن ذنبه لعلم الله تعالى به ويعرفون بسيماهم فيجازون وكم بين الإِخبار بذلك ليتحرزوا { تكذِّبانِ. يُعْرَفُ المجرِمُونَ بِسِيماهُمْ } هذا كلام مستأَنف لا تعليل لقوله عز وجل: لا يسأَل، لأَنه لم يقل لا يسأَل إِنس ولا جان هل هو مذنب إِلا أن يدعى أن المعنى لا يسأل إِنس ولا جان فى شأَن ذنبه الذى يتوقع نبوته والمجرمون على العموم هكذا وإِن أُريد به بعض من الإِنس وبعض من الجن العظام الذنوب أو المصرون فمن وضع الظاهر موضع المضمر ليوصفوا بالإِجرام فقد دخل فى قوله عز وجل: لا يسأَل إِلخ، المؤمن الموفى فإنه يسأَل ويغفر له، وسيما المجرمين سواد الوجوه وزرقة العيون وما يعلوهم من الكآبة وأثر الحزن والعمى والبكم والصمم، والسعيد الأَعمى فى الدنيا يبعث بصيرا، والشقى الأَعمى فى الدنيا يبعث أعمى ثم يجعل بصيرا، فيقرأ كتابه ثم يعمى، وفاعل المعرفة الملائكة وكذا الأَخذ فى قوله { فيُؤْخذُ بالنَّواصِي والأَقْدَامِ } أى تعرفهم الملائكة بسيماهم أى علامتهم فيأَخذونهم إِلى النار بنواصيهم وأقدامهم، وبالنواصى نائب الفاعل والناصية مقدم الرأس ولو بلا شعر فيه والباء للآلة كضربته بالسوط وليس تأَويل الأَخذ بالسحب مخرجا له عن الآلة كما توهم إِلى التعدية بل لو قيل يسحب بناصيته لتبادرت الآلة والعوض عن الضمير كما رأيت أو يقدر الضمير، أى بالنواصى منهم والأَقدام منهم أو تجعل (الـ) للعهد فلا تقدير فإِنك تعرف بذكر النواصى والأقدام بعد ذكر المجرمين أَنها نواصى المجرمين وأقدامهم، ولا بد من استشعار أحد هذه الأَوجه فى التفسير، وليس التفسير مستغنيا عن ذلك، ولو لم يوجد ما يستحق الضمير الرابط وكيفية الأَخذ أن يجمع الملك بين قدمى المجرم وناصيته من وراء ظهره ويكسر ظهره ويلقيه فى النار، وقيل تجعل رءُوسهم على ركبهم ونواصيهم على أصابع أرجلهم مربوطة، وروى أن الله خلق ملائكة جهنم قبل جهنم بأَلف عام ولا يزالون يزدادون قوة حتى يأَخذوا بالنواصى والأَقدام وقيل يؤخذ بعض بالناصية وبعض بالقدم، وقيل يؤخذ الواحد بالناصية تارة وبالقدم أُخرى.