التفاسير

< >
عرض

فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٩
فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ
٥٠
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥١
فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ
٥٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥٣
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ
٥٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥٥
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ
٥٦
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥٧
كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ
٥٨
-الرحمن

تيسير التفسير

{ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا } نعم الأَفنان وما يكون فى الآخرة متحقق منزل منزلة الحاضر ولا يعتبر إِنكار منكره { تُكَذِّبَانِ. فِيهِمَا عَيْنَانِ } الجملة نعت لجنتان أى فى كل واحدة منهما عينان من الماء الزلال إِحداهما التسنيم والأُخرى السلسبيل عند الحسن، أو إِحداهما من ماء غير آسن وأخرى من خمر لذة للشاربين، وعن ابن عباس عينان مثل الدنيا أضعافاً مضاعفة { تَجْرِيَانِ } على استمرار من جبل مسك إِلى أسفل وإِلى أعلى بحسب إِرادة السعداء، وعن ابن عباس تجريان بالزيادة والكرامة على أهل الجنة، قاله ابن عباس أو إِحداهما تجرى بماء التسنيم والأُخرى بالسلسبيل، أو إِحداهما من ماء غير آسن والأُخرى من خمر لذة للشاربين { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا } نعم العينين وجريانهما { تُكَذِّبَانِ. فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ } يتعلق بمحذوف حال من ضمير الاستقرار { زَوْجَانِ } صنفان أبيض وأحمر أو أخضر وأصفر أو معروف فى الدنيا وغريب غير معروف فيها أو رطب ويابس لا ينقص حلاوته عن الرطب. وعن ابن عباس ما فى الدنيا تمرة حلوة أو حامضة أو مرة إِلا وهى فى الجنة حتى الحنظل إِلا أنه يحلو حامضها ومرها، والجملة نعت لجنتان { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا } نعمه التى هى كل فاكهة وأن كلا منها زوجان { تُكَذِّبَانِ. مُتَّكِئِينَ } حال محذوف العامل والصاحب أى يتنعمون فيهما متكئين أو يستوطنون الجنة أو يدخلونها متكئين أو مقدرين الاتكاء أو مفعول لمحذوف أى تراهم متكئين، وقيل حال من مَن فى قوله: ولمن خاف، وفيه أن معنى قوله ولمن خاف إِخبار بالوعد بالجنتين، وهذا الوعد لا يتقيد بالاتكاء من صفات المتنعم الصحيح الجسم الفارغ عن الهم والمراد متكئين فيها أو متكئين فى منازلهم، قدم هنا متكئين لتقدم ذكر الخوف فناسب ذكر ما يشعر بزواله وهو الاتكاء فإِنه من شأَن الآمنين.
{ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا } ما يلى الأَرض منها { مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } حرير غليظ فكيف ظواهرها ولا بد أن يكون أفضل فقيل هى من سندس وقيل من نور جامد، وقيل من نور يتلأَلأَ، وعن ابن عباس من باب قوله عز وجل:
{ { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } } [فصلت: 17] ويحتمل أنه ليس المراد مراعاة اعتبار الظواهر بذكر البواطن، بل المراد التعظيم بأَن أرضها لنظافتها وشرفها يليها الإِستبرق وعن الحسن وقتادة البطائن هى الظواهر بمعنى أن ما يلى الأَرض وما لا يليه سواء.
{ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } ما يجنى من ثمارهما، أى ما من شأَنه أن يجنى أو ما يراد أن يجنى أى يؤخذ دان أى قريب إِلى أيديهم وأفواههم ولو اضطجعوا متى أريدت تدلت لا يعطل عنها بعد ولا شوك ولا خشونة لشجرها والْجنى إِما اسم للثمار أو صفة بمعنى مفعول، وما بمعنى مفعول لا يقال فيه إِنه صفة مشبهة { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا } من الاتكاء على تلك الفرش وقرب جنى الجنتين { تُكُذِّبَانِ. فِيهِنَّ } أى فى الجنات والجمع باعتبار أن لكل خائف جنتين أو لكل خائف من الإِنس جنة ولكل خائف من الجن جنة، فهؤلاء جنات وهذا يغنى عن قول الفراء إِن الضمير للجنتين وأنه كثيراً ما يعبر عن اثنين بما للجمع، وقيل الضمير للقصور والبيوت المدلول عليها بالمقام لذكر الجنتين، وقيل الضمير للجنتين باعتبار ما فيهما من البيوت والقصور، وأولى من ذلك كله رد الضمير للفرش، فتكون جملة فيهن نعتا ثانياً لفرش، والأَول جملة بطائنها من إستبرق ولا يشكل بفى لأَن الفراش ظرف لمن عليه ولو كان لا ينخفض بمن عليه، فكيف إِن كان لنعومته ينخفض به كما يشاهد فى فرش الملوك والمتنعمين، فلا يعترض بأَنه لو كان ذلك لقال عليهن لافيهن، ولو سلمنا لقلنا شبه الاستعلاء عليها بتمكن المظروف فى الظرف، وحكمة الظرفية التلويح بنعومة الفرش حتى أنهن فى الفرش منخفضات، وذكر الفرش إِشارة إِلى أنهن لا يجاوزن الفرش غالبا، وقيل فى بمعنى مع والضمير للجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجنى.
{ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } آدميات وجنيات وحور والطرف العين والمراد الجنس فيشمل العيون، وأصله مصدر بمعنى النظر والمعنى يحسبن عيونهن عن النظر إِلى غير أزواجهن من الرجال، كما رواه ابن مردويه مرفوعا إِليه - صلى الله عليه وسلم - فالطرف عيونهن تقول الواحدة لزوجها وعزة ربى ما رأيت فى الجنة أحسن منك فالحمد لله الذى جعلنى زوجك وجعلك زوجى، ويجوز أن يكون المعنى يحسبن من نظر إِليهن أن ينظر بعينيه إِلى غيرهن لحسنهن فالطرف عيون الناظرين، لو كان ينظر الرجال إِليهن أو الناظرون أزواجهن، ويجوز إِبقاء الطرف على المعنى المصدرى بمعنى يحبسن نظرهن عن غير أزواجهن أو يحبسن نظر من نظر إِليهن عن أن ينظر إِلى غيرهن، أو المراد مدحهن بقصر النظر عن المكان البعيد.
{ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ } الطمث خروج الدم كما يقال للحيض طمث، ويقال لوطء الأَبكار طمث لخروج الدم به ثم أطلق على الجماع مطلقا كما هنا فإِن نساء الجنة ولو كن أبكاراً كلما جومعن رد الله بكارتهن، لكن لا دم ولا ألم بجماعهن والهاء لقاصرات الطرف لأَن المراد بهن الزوجات فى الجنة.
{ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } يزين الله نساء الدنيا بأَفضل مما للحور ويجعلهن أبكاراً ولو متن على غير بكارة، فنساء كل سعيد فى الجنة لم يمسهن قبله فيها إِنس ولا جان سواء الآدميات والجنيات والحور ويناسب ذلك التعبير بالطمث الذى هو وطء البكر والهاء للأَزواج المدلول عليهن بالمقام، وذكر من خاف مقام ربه وذكر قاصرات الطرف ومتكئين أو راجع إِلى من خاف، وللمؤمن أزواجه السعيدات كلهن اللاتى لم يطلقن، وقيل واحدة وقيل اثنتان والصحيح الأَول وكذا للجنى نساؤه الجنيات السعيدات أو اثنتان أو واحدة ويزاد للإِنس والجن من الحور العين ما شاء الله عز وجل مطلقاً أو للجن حور يخلقهن الله تعالى على شكلهم ولا يعطى أنسى جنية ولا جنى إِنسية وإِن شاء الله تعالى أعطى الرجل مطلقته، قيل ولو ثلاثاً أو بائنا لأَن أحكام الآخرة غير أحكام هذه، ولا يعطيه محرمته ولا يجمع له محرمتين وقبلهم متعلق بيطمث لا نعت لإِنس إِلا أن روعى القبلية بالطمث لا بتقدم زمان الخلق وقيل المراد فى الآية الحور العين وقيل من مات من الإِناث أبكارا { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا } من قاصرات الطرف اللاتى لم يمسهن إنس قبلهم ولا جان.
{ تُكَذِّبَانِ. كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالمَرْجَانُ } هذه الجملة وجملة لم يطمث الخ نعتان لقاصرات ولو أضيف لمعرفة، لأَن إِضافته لفظية وأيضاً المراد الجنس ووجه الشبه صفاء الياقوت وبياض المرجان وهو اللؤلؤ أو صفاء الياقوت وحمرة المرجان على أن المراد به المرجان المعروف الأَحمر، وقيل إِنه صغار الدر وأنهن مثله فى صفاء البشرة وهن أشد صفاء من الكبار وكالياقوت فى الحمرة، ولا مانع من أن يراد بالمرجان كبار الدر كما قال الله تعالى:
{ { كأَنهن بيض مكنون } [الصافات: 49]، والبيضة من المرجان كبيرة وعنه - صلى الله عليه وسلم - "ينظر إِلى وجهها في خدرها أصفى من المرآة وإِنَّ أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب ويكون عليها سبعون ثوباً ينفذها البصر إِلى مخ ساقها كالشراب الأَحمر في الزجاجة البيضاء" .
وفى البخارى ومسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - "أول زمرة يدخلون الجنة وجوههم كالبدر ومن بعدهم كالكوكب الدري" ، وفى البخارى: "وقلوبهم كقلب رجل واحد لا يتمخطون ولا يتغوطون، يسبحون الله بكرة وعشياً" ، وفى ذلك تلذذ ولا تكليف فى الجنة ولا فى النار.