التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ
٧
أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ
٨
وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ
٩
-الرحمن

تيسير التفسير

{ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا } رفعا حسيا، كانت على الأَرض ورفعها إِلى حيث هى، وفتقها سبعا أو رفعا حسيا كذلك، لكن بمعنى خلقها فى موضعها المرتفع ويناسبه قوله تعالى: { { وَالأَرْضَ وَضَعَهَا... } [الرحمن: 10] لأَن وضعها خلقها فى موضعها لا وضع من عال، ويجوز أن يراد الرتبى والحسى جمعا بين الحقيقة والمجاز أو عموم المجاز ونصب السماء على الاشتغال والجملة المقدرة خبر سادس. { وَوَضعَ الميزَانَ } شرع العدل من معنى قولهم: وضعت الشئ أى أثبته، والزيادة والنقص والمساواة فى الحس تتبين بالميزان الحسى فشبه به العدل، فهو ميزان معنوى، فالميزان بمعنى العدل استعارة أصلية تصريحية، وذلك بأَن يعطى كل ذى حق حقه، قال - صلى الله عليه وسلم - "بالعدل قامت السماوات والأَرض" ، أى بقيتا على حالهما. وقيل: المراد بقاء ما فيهما من الأَحياء، إِذ لولا العدل لهلك ما فيها، وأما أهل السموات فذكرهم مبالغة، إِذ لا يقع لديهم ما يحتاج للحكم بالعدل بينهم، أو أراد بالعدل فى الحديث وضع الأَشياء فى مواضعها بالحكمة، وعن ابن عباس: المراد فى الآية ما تعرف به المقادير وزنا أو كيلا أو ذرعا أو نحو ذلك، كلفهم به ليتوصلوا به إِلى حقوق لله تعالى وحقوق العباد، ولفظ الميزان حقيقة فى كل ما يعرف به المقدار من تلك الأَشياء ونحوها، وقيل المراد الميزان المعروف، وأنه حقيقة فيه فقط.
ويرجح هذا والذى قبله قوله تعالى: { أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ } ويجوز أن يراد بالميزان العدل والميزان الحسى جميعا بين الحقيقة والمجاز، وأن يراد عموم المجاز واللام مقدرة، أى لئلا تطغوا، أى كراهة أن تطغوا، فلا نافية وأن مصدرية والعامل وضع والميزان فى موضع الضمير، والمعنى: لأَجل أن تحافظوا على شأنه لا تنقصوا منه ولا تزيدوا عليه، ومن شاء الزيادة من ماله فبعد تحقيق كمال الوزن، ومن شاء النفقص من حقه، فبعد تحصيل حقه، وجاز قبل، لكن لا يصوغ الميزان ناقصا، والوزن بمعنى الموزون، ويجوز أن تكون (أن) مفسرة و (لا) ناهية لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه، وهو وضع بمعنى شرع، والشرع وحى والوحى قول وهو أولى لسلامته من تفسيره بموضع الظاهر موضع المضمر إِذ لا معنى لوضع الميزان، لئلا تطغوا فى الميزان إِلا بالتأَويل الذى ذكرت، ولسلامته من تفسير الميزان بالموزون.
وأيضا يناسب كون (لا) ناهية قوله تعالى: { وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ } ففيه عطف الأَمر والنهى عطف إِنشاء على إِنشاء، وإِذا جعلنا (أن) مصدرية و (لا) نافية، كان العطف عطف إِنشاء على إِخبار، ويدل على أن (لا) ناهية، قراءة لا تطغوا بإِسقاط (أن) مع حذف نون تطغون، وذكر بعض أن التأَويل بالمصدر فى جعلها مصدرية وجعل (لا) نافية مسوغ لعطف الإِنشاء على الخبر، موجب لتأَويل الإِنشاء بالمصدر لعطفه على المؤول بالمصدر، فيكون مجردا عن الإِنشاء، وهو مبنى على جواز الإِنشاء بالمصدر وجواز دخول حرف المصدر على الإِنشاء، وقد علمت بطلانه ومعنى إِقامة الوزن بالقسط، تقويم الوزن بالعدل، وهو انتفاء البخس فى الكيل والوزن كما قال مجاهد: أقيموا لسان الميزان إِذا أردتم الأَخذ أو الإِعطاء أو أقيموا بالشرع أقوالكم وأفعالكم أو ذلك كله، وقيل الإِقامة باليد والقسط بالقلب، والوزن هنا بالمعنى المصدرى، ومعنى خسر الميزان نقص آلة الوزن بصوغها ناقصة أو بعدم إِكمال الوزن، ويجوز أن يكون مصدرا وأن يكون بمعنى موزون، ولا يخفى ما فى تكرير مادة الوزن فى المواضع من التأَكيد والحث على ترك البخس والميزان مفعول به، والمعنى: لا تجعلوا أنفسكم خاسرة الميزان بنصب الميزان فى عبارتى هذه بخاسرة، لأَن خسر الثلاثى متعدٍ بنفسه لواحد كقوله تعالى:
{ { خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ } } [الأعراف: 9] وخسروا الدنيا والآخرة، وكقراءة فتح التاء وكسر السين وقراءة فتحها وضم السين وقراءة فتحها، إِلا أن تعديه فى الآية إِلى الميزان لا يخلو من ملاحظة معنى حرف السبب، أى بسبب الميزان، بأَن لا تراعوا ما ينبغى فيه، ويجوز أن يكون المعنى لا تكونوا ممن خفت موازينه يوم القيامة، وقيل المعنى لا تخسروا موزون الميزان بتقدير مضاف.