التفاسير

< >
عرض

ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ
١٤
عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ
١٥
-الواقعة

تيسير التفسير

{ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ } خبر لأُولئك أو لمحذوف، أى هم ثلة أو مبتدأ لمحذوف أى ومنهم ثلة، قيل أو مبتدأ خبره على سرر، وهى الجماعة الكثيرة ويدل على اعتبار الكثرة مقابلته بقوله جل وعلا { وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ } وقيل ثلة موضوع لمطلق الجماعة، وأُريد به هنا الكثيرة بدليل المقابلة، فإِن المراد الجماعة الكثيرة من لدن آدم إِلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - والقليل من الآخرين مؤمنو هذه الأُمة السابقون، والكلام فى السابقين فلا تنافى الآية قوله - صلى الله عليه وسلم - "إِن أُمتي يكثرون سائر الأُمم" ، أى يغلبونهم فى الكثرة لأَن المراد سابق مؤمنيها قليل بالنسبة إِلى سبأَ ومؤمنى الأُمم من عامة مؤمنيها الأَتباع، ومؤمنوها الأَتباع أكثر من عامة الأُمم الأَتباع، وقد يقال كثرة سباق الأُمم باعتبار أنبيائهم على أنهم داخلون فى أُممهم فلا خير، ولما نزل ثلة من الأَولين وثلة من الآخرين ونسخت قوله { وقليلٌ من الآخرين }، قلت: لا يصح هذا لأَن قوله تعالى { وقليلٌ من الآخرين } إِخبار، والإِخبار لا تنسخ لأَن نسختها تكذيب لها والله صادق، ثم تذكرت أيضا أن قوله: وقليل من الآخرين فى أصحاب اليمين وثلة من الأَولين فى السابقين، وقيل المراد الصحابة الأَولون والصحابة الآخرون، وقيل من لقوا الأَنبياء ومن لقى النبى - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله - ولا شك أن من لقيهم أكثر ممن لقيه - صلى الله عليه وسلم - لكثرة الأَنبياء قبل، وقيل عنه - صلى الله عليه وسلم - "الثلثان من أُمتي" بمثلثتين وضم اللام مخففة أو بمثلثة وشد اللام بعدها مثناة، وروى أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا، أنتم منها ثمانون صفا كما فى الترمذى، وهذا حدث بعد قوله - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود ومن معه، وهم أربعون فى قبة أو نحو أربعين، "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: نعم. أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: نعم. قال: والذي نفس محمد بيده إِني لأَرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" . وعن عائشة: ثلة من الأَولين وقليل من الآخرين من أُمة كل نبى فى صدر الدنيا قليلين. ويبحث بأَن أنبياء بنى إِسرائيل أكثر وليسوا فى صدر الدنيا، إِلا إِن أُريد بصدرها أنبياء بنى إِسرائيل، لأَنهم صدروا ومضوا وكانوا أولا بالنسبة لما بعد وأُريد بآخرها النبى - صلى الله عليه وسلم - ومن بينه وبين عيسى عليه السلام من الأَنبياء المختلف فيهم، وعن أبى بكرة وابن عباس عنه - صلى الله عليه وسلم - "ثلة من الأَولين وثلة من الآخرين هما جميعاً في هذه الأُمة" فيكون الخطاب فى قوله تعالى: { وكنتم أزواجا }، لهذه الأُمة فقط فسابق أول هذه الأُمة ثلة وسابق سائرها إِلى آخرها قليل، وجاء فى فرقتى أصحاب اليمين نحو ذلك { عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } حال من المقربين أو من الضمير فى جنات النعيم إِذا علقنا فى بمحذوف حال أو خبر آخر لهو المحذوف المخبر عنه بثلة، والوضن النسج، نسج الدرع ونسج حزام الناقة وغير ذلك، وقيل أصله فى نسج الدرع واستعير لكل نسج، وقيل استعير لكل نسج محكم، والمراد فى الآية منسوجة بالذهب أو بقضبان الفضة، روايتان عن ابن عباس وعن عكرمة مشبكة بالدر والياقوت.