التفاسير

< >
عرض

إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
٤٥
وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ
٤٦
وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
٤٧
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
٤٨
قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ
٤٩
لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
٥٠
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ
٥١
لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ
٥٢
فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ
٥٣
-الواقعة

تيسير التفسير

{ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } تعليل جملى، أى عذبوا بذلك لأَنهم كانوا قد جعلهم الله ترفين أى تابعين لهواهم، وذلك خذلان من الله تعالى ولهم اختيار ولا إِجبار لهم أو لأنهم كانوا قد جعلهم الله تعالى متكبيرين عن الحق، أو لأَنهم كانوا قد أبطرهم الله أى جعلهم بطرين بالنعمة أو أبطرتهم النعمة ويبحث بأَنه ليس كل أهل النار مكثرة لهم النعم فى الدنيا والجواب بأَن ذلك حكم على المجموع لا كلية ضعيف، ويبعد بحسب الظاهر أن يراد كل أحد منعما عليه بنعمة البدن الصحيح والعقل والحياة ولو مع قلة المال ولا يستشكل بمن ليس كذلك لقلة المرضى وأصحاب الآفات بالنسبة.
{ وَكَانُوا يُصِرُّونَ } يمتنعون أشد امتناع من التوبة ويدومون على ذلك { عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ } الذنب مطلقاً، ولو صغيرة أصر عليها فكيف الكبائر وكيف الشرك منها، وصح أنه لا صغيرة مع الإِصرار، وقيل الحنث اسم للذنب الكبير، وعليه فوصفه بالعظيم تأْكيد فعن الشعبى الحنث الكبائر، وعنه اليمين الغاموس. وعن قتادة والضحاك الشرك وقيل قولهم والله لا يبعث الله من يموت كما قال الله عز وجل: وأقسموا بالله إِلخ ويؤيده شهرته فى مخالفة اليمين مقوله عز وجل: { وكانوا يصرون على الحنث العظيم }. وصفهم بالثبات على القسم الكاذب وقوله { وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا } الخ وصفهم بالاستمرار على إِنكار البعث فلا تكرار وأيضاً قوله: وكانوا يصرون.. الخ غير نص فى ذلك بل محتمل فبين بقوله وكانوا يقولون أو المعنى كان بعض أجزائنا ترابا محققا بإِذن الله عز وجل، وشبيها به وهو ما عدا العظام والبعض الآخر العظام النخرة كما فى الآية الأُخرى، وقدم التراب لبعد حياته عندهم بالبعث، ولو استبعدوا أيضاً حياة العظام كما قال الله عز وجل:
{ { قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها... } [يس: 78 - 79] الخ، وجواب إِذا محذوف أى بعثنا أو نبعث أو يقدر أنبعث إِذا متنا، ودل على المحذوف قوله عز وجل { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } ولا يتعلق بمبعوثون لأن معمول خبر أن لا يتقدم عليها ولصدرية الاستفهام وليس الكون تراباً وعظاماً قيداً فى إِنكار البعث فإِنهم أنكروه ولو لم يصر الموتى تراباً وعظاماً، بل هو احتجاج واستبعاد لبعض الصور، كأَنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إِن ادعيت البعث للموتى فكيف تصنع بمن لم يبق على حاله، بل صار تراباً وعظاما { أوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ } عطف بالواو على المستتر فى مبعوثون للعطف بهمزة الاستفهام القوية فى الصدارة حتى تقدمت على العاطف، وبنون رفع المضارع لقوتها حتى تأَخرت عن الفاعل المرفوع به ولو ضعفت الهمزة من حيث إِنها تأْكيد للأُولى لا تأْسيس وضعفت النون من حيث أنها كحركة، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر أى مبعوثون وفيه تكلف الحذف مع الغنى عنه، لكن فيه الغنى عن الفصل بما ضعف، وعلى كل حال ذكروا الآباء لأَنهم أبعد عن البعث عندهم لطول عهدهم { قُلْ } ردا عليهم بالحق { إِنَّ الأَوَّلِينَ } من آدم { وَالآخِرِينَ } إِلى يوم القيامة من الأَمم نصف أول ونصف أخير أو المراد الأَطراف فيدخل الوسط كما اعتيد ذلك،و قدم الأَولين لأَنهم متقدمون فى الوجود، ولأَن إِنكار بعثهم أقرب عندهم من بعثهم ومن بعث من قرب منهم { لَمَجْمُوعُونَ } فى الموقف بعد البعث أو المراد بالجمع البعث والذهاب بهم إِلى الموقف { إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ } الميقات مفعال من الوقت بمعنى الحد، فإِن ما حد به الشئ ميقات له زماناً أو مكاناً كمواقيت الحج للمواضع التى لا يجاوزها الإِنسان إِلا محرماً، والميقات فى الآية الزمان مضافاً إِلى يوم إِضافة بيان إِلى ميقات، هو يوم القيامة وهو حد لآخر الدنيا وأول الآخرة وإِلى بمعنى فى، ويجوز أن يكون الجمع فى القبور بمعنى أنه يجمعهم اسم المقبورين فتكون إِلى ظاهرها للغاية متعلقة بمجموعون أو بحال محذوف جوازاً، أى منتهين إِلى ميقات يوم { مَّعْلُومٍ } عند الله معين لا يعلمه على التعيين إِلا الله تعالى أو معلوم فى كتب الله والعلماء والمؤمنين بلا تعيين { ثُمَّ إِنَّكُمْ } الخطاب لأَهل مكة وغيرهم { أَيُّهَا الضَّالُّونَ } عن دين الله تعالى، ثم للتراخى الرتبى لأَن الأَكل من شجر الزقوم أشد من البعث أو للتراخى الزمانى، وإِن واسمها وخبرها جملة معطوفة على قوله إِن الأَولين.. الخ أمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم إِن الأَولين والآخرين الخ، وأن يقول لهم ثم إِنكم أيها الضالون.
{ الْمُكَذِّبُونَ } بالبعث أو المراد المكذبون بالبعث وغيره من أمر الدين { لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ } من للابتداء { مِّن زَقُّومٍ } من للبيان متعلق بمحذوف نعت لشجر، وأجيز أن تكون من الأُولى للتبعيض مفعولا لآكلون على أنها اسم مضاف أو بمحذوف نعت لمفعول محذوف، أى شيئاً ثابتاً من شجر، أى ثابتاً بعض شجر، ولما لم يوجد فى اللفظ مفعول به واضح جعل بعض من زائدة أى لآكلون شجرا هو زقوم، والمشهور أن (من) لا تزاد فى الإِثبات أو من زقوم بدل من قوله من شجر، فمن للابتداء أو للتبعيض { فَمَالِئُونَ مِنْهَا } من الشجر أو من الزقوم، والأَول أولى وما مفرده بالتاء ككلم وكلمة يذكر ويؤنث، فأُنث هنا وذكر فى قوله: فشاربون عليه، لا باعتبار المعنى تارة واعتبار اللفظ أخرى أورد هذا إِلى الزقوم، وفيه أنه من تفكيك الضمائر، كما لو أعيد إِلى الأَكل وهو خلاف الأَصل مع أنه لا حاجة إِليه، ومع أن الشرب على المأكول لا على الأَكل، وقال قوم ما كان جمعاً بإِسقاط التاء تذكيره باعتبار لفظه وتأنيثه باعتبار معناه، ويلزم عليه هنا اعتباراللفظ بعد المعنى والكثير عكسه، والتذكير باعتبار أنه زقوم أو مأكول خلاف الأَصل.
{ الْبُطُونَ } يرسل الله عليهم الجوع الشديد حتى يفزعوا إِلى أكل شجر الزقوم البعيد غاية عن الأَكل، حتى يملأُوا البطون منها، ولا يخفى أن ملء البطون غير مستقل عن الأَكل المذكور قبله، فالمراد بقوله آكلون شارعون فى الأَكل والترتيب الاتصالى يكفى فيه القرب إِذ لم يكن بين الشروع والملئ إلا ما يتصل به الملء على التدريج، أو الفاء للترتيب الذكرى، أو يقدر فهم مالئون منها البطون.