التفاسير

< >
عرض

أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ
٧١
أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ
٧٢
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ
٧٣
-الواقعة

تيسير التفسير

{ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ } تقدحونها من الزناد { أَأَنْتُمْ أَنْشَأتُمْ شَجَرَتَهَا أمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ } فيه جميع ما مر فى أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون وشجرتها المرخ والعفار، وإِنشاؤها خلقها وفى كل شجرة نار، إِلا أنها فى العفار والمرخ أكثر وأسرع خروجا مع أنا لا نقدر على استخراجها من الشجرة الضعيفة وبإِضافة الشجرة بالإِفراد إِلى ضمير النار، علمنا أن المراد شجرة مخصوصة وهى المرخ والعفار جعلتا واحدة، لأَن النار منهما معا ولأَن إِحداهما كأُنثى وأُخرى كذكر، وعبر بالإِنشاء عن الخلق لأَنه ينبئ عن ابتداع صنع غريب، نار تخرج من ماء وكذا خالفتا سائر الشجر بكثرة نارهما وسرعتهما ومن ذلك تعبيره تعالى بالإِنشاء فى نفخ الروح إِذ قال ثم أنشأَناه خلقا آخر.
{ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } لنار جهنم إِذ جعلناهم معاملين لها كثيرة بين أيديهم لطعامهم وتسخينهم لأَبدانهم ومائهم ومداواتهم ليتذكروا بها عقاب الآخرة، وكأَنها جزء من جهنم حاضر. وعن أبى هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
"ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم. قال أبو هريرة يا رسول الله نارنا هذه تكفي. فقال فإِنها زادت عليها بتسعة وستين جزءاً، كل واحد كناركم هذه" ، والتذكرة التذكير ضد الإِنساء من الذكر ضد النسيان أو تذكرة للبعث كما قدرنا على إِخراج النار من الشجر الأَخضر بالماء المضاد لها كذلك قدرنا على إِحياء الموتى والجمهور على الأَول وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة. { وَمَتَاعًا } تمتيعا { لِّلْمُقْوِينَ } الذين ينزلون القواء لسكنهم فيه أو للسفر وهو القفر، يقال أقوى بمعنى دخل القواء، كأَيمن بمعنى دخل اليمن، وأصحر بمعنى دخل الصحراء ومنه فى الزمان أصبح وأمسى دخل الصباح ودخل المساء وأما تفسيره بالدخول فى البرد فتفسير باللازم فإِن البرد لازم لمن فى القفر فى وقته. وعن ابن عباس والحسن وقتادة: المقوون المسافرون ويحتمل التفسير باللازم كذلك وكم لفظ أدخلوا فى اللغة.
والتفسير بالمعنى اللازم وأوهموا أنه موضوع فى اللغة لذلك وخص المسافر والنازل فى الصحراء لأَنهم أشد احتياجا إِلى النار والزناد لإِصلاح الطعام وإِرشاد الضال وطرد السباع، ومن فى المنزل أو قريبا منه غير مضطر إِلى نار الشجر وقيل المقوين الفقراء يستضيئون بها فى الظلمة ويصطلون من البرد، يقال أقوى فلان افتقر وقيل الجائعون، يقال أقوى خلا بطنه من الطعام وأقوت مزاوده وأقوى ذلك المكان أى خَلاَ فَهُم يحتاجون إِليها لطبخ ما يأكلون، ويرده أنه لا ينحصر أكل الجائع فيما يطبخ، وقيل المقوين المستمتعون بها فى حضر وسفر فى غنى أو فقر فى منزل أو صحراء لطبخ واصطلاء وغير ذلك وما قيل من أن الأَغنياء يتنعمون بها ولا يعدونها متاعا لا يصح لأَن من يتنعم بشئ فهو فى حقه متاع ولو لم يسمه متاعا والتسمية لا تفترط ولا يقال أقوى بمعنى افتقر أو جاع لخلوه من المال أو الطعام وأقوى بمعنى قوى على ما يريد من الأَضداد لأَنا نقول لا يقابل الخلو من المال أو الطعام بقوة الرجل على ما يريد وإِنما يكون من الأَضداد لو كان أقوى بمعنى خلا من كذا، وأقوى بمعنى عم به وآخر متاع المقوين لأَن أمر الآخرة أهم، ومنه التذكرة بالنار، وقدم الماء على النار لأَنه أصلها، والحاجة إِليه أشد وأكثر، وقدم خلق الإِنسان من مَنِىْ لأَنه نعمة متقدمة على الثلاث بعده، وأعقبه بما يعيش به من الحب، وأعقب الحب بالماء لأَنه يعجن به ويطبخ فيه، وأعقبه بالنار لأَنها تطيبه.