التفاسير

< >
عرض

فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ
٧٨
لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ
٧٩
-الواقعة

تيسير التفسير

{ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } محفوظ مستور عن أن يراه غير الملائكة المقربين وعن أن يزيد فيه أحد شيئاً أو ينقص منه وهو اللوح المحفوظ أو مكنون محفوظ من الزيادة والنقص أو التبديل أو التغيير مطلقاً وهو مصحف عثمان وسائر المصاحف إِلى يوم القيامة، وفى ذلك إِخبار بالغيب لأَن المصاحف لم توجد فى زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو مكنون بمعنى شريف ومن شأَن ما هو شريف أن يستر ويحافظ عليه.
وعن عكرمة الكتاب المكنون التوراة والإِنجيل بمعنى أنهما متضمنان لذكره وتصديقه، وأنه مذكور فيهما، وفيه أن الكتاب فى الآية نكرة فى الإِثبات فلا تشمل كتابين. فالأَولى أن يقتصر على التوراة اللهم إِلا أن تراد حقيقة الكتاب، إِلا أنه يبقى أن يقال على قول عكرمة كيف قال مكنون فلعل معناه شريف، لما مرأن من لازم ما هو شريف أن يكون مستورا محافظاً عليه، وليس كما زعم بعض أن الكتاب المكنون قلب المؤمن والمحافظة عليه فى جميع الأَقوال معتبرة لقوله تعالى
{ { وإِنا له لحافظون } [الحجر: 9] { لاَّ يَمَسُّهُ } بالبدن { إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } الجملة نعت كتاب وهو اللوح المحفوظ والمطهرون الملائكة وتطهيرهم خلق الله إِياهم طاهرين لا تطهير بعد وجود دنس فذلك كوسعت الدار أى بنيتها واسعة وطهارتهم تنزههم عن النفس الأَمارة بالسوء وعن كدر الطبع ودنسه وقيل عن كدر الأَجسام ومسه كناية عن الاطلاع عليه وعلى ما فيه ولا نافية، وذلك مروى عن ابن عباس وأنس والجملة نعت قرآن والهاء له ولا نافية، والكتاب المكنون اللوح المحفوظ، والمطهرون من ليس مشركا ولا أقلف بالغاً غير معذور ولا حائضاً ولا نفساء ولا جنباً، والمس تناول القرآن بما أمكن من قراءة، ومس نسخته ولو من فوق الجلد أو الغلاف الآخر ولو تعدد إِذا وصل الغمز إِليه من إِطلاق المقيد على المطلق، وقيل الهاء للقرآن والمطهرون الملائكة، لكن المراد لا يمسه عند الله إِلا ملائكته، وأما عندكم فيمسه مشرك وغيره، وذلك إِخبار بالغيب ستكون منه نسخ ويدل لذلك قوله عز وجل: { { كلا إِنها تذكرة } [عبس: 11] إِلى { { كرام بررة } [عبس: 16] وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر بالقرآن إِلى أرض العدو، ولا يخفى أن المراد فى هذا الحديث أوراقه ودفتاه، وأجاز حماد وأبو حنيفة مس المصحف وغلافه للجنب والمحدث، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - "لا يمس القرآن إِلاَّ طاهر" . وقيل عن الفراء المعنى لا يجد طعمه إِلا من آمن به، وعن الشيخ محمد الباقر من أهل البيت: المطهرون الآدميون المطهرون من الأَحداث الكبار والصغار فلا يقرؤه أو يمسه إِلا من هو على حال تصح الصلاة معه، وهو متبادر من حديث ابن عمر فى الطبرانى: لا يمس القرآن إِلا طاهر وقوله لعمرو بن حزم: لا تمس القرآن إِلا على طهر وقيل: المطهرون من الشرك فيمسه الموحد الجنب والحائض والنفساء، ويقرءونه وهو رواية عن ابن عباس، وذلك فى الإِيضاح قول فى الحائض والنفساء، وإِذا قلنا السر تحريك اللسان فلهما وللجنب قراءته بلا تحريك، وإِذا قلنا السر إِسماع الأُذن فلهم قراءته بالتحريك بلا إِسماع، وفى أثر قومنا لهم قراءة أقل من آية، ولمعلمة الصبيان أن تلقن لهم نصف آية وتسكت ثم تعلم نصفا. وعن على أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ القرآن بعد ما خرج من الخلاء، ولا يحجزه إِلا الجنابة، وقيل لا ناهية للناس والفعل مجزوم بالسكون مقدر، منع من ظهوره التقاء الساكنين، والأَولى أنها ناهية فى معنى النفى وهو أبلغ من النهى الصريح، لأَنه بصورة نهى قد امتثل، وأيضاً كأَنه قيل حكم الشرع أنه لا يمسه إِلا مطهر، وأيضاً الأَصل فى الضمة أنها إِعراب، وأيضاً قرأ ابن مسعود ما يمسه بما النافية فدل على أن لا نافية، ومن الأَدب للقرآن أن لا يقلب أوراقه بإِصبع فيها بزاق، وقال بعض قومنا: يكفر بذلك، وليس كذلك لأنه ليس إِهانة له فليترك ذلك، ولا بدو الظاهر أن المراد الملائكة للفظ المطهرين بتخفيف الطاء وشد الهاء والله خلقهم طاهرين ولو أريد الناس لكان الأَظهر أن تشد الطاء كالهاء ليكون فعلا منهم، وقد قرأ سلمان بشدهما، فأَصله المتطهرون بالتاء دون قلب وإِدغام كما قرأ بعض.