التفاسير

< >
عرض

ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ
١٩
إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ
٢٠
كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢١
-المجادلة

تيسير التفسير

{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ } تغلب على قلوبهم بوسوسته وتزيينه تغلباً شديداً، كما يقال حاذ الإِبل أى ساقها سوقاً شديداً بعنف، وكما يقال استحوذ الحمار على الأَتان استوى على جانبى ظهرها.
وكما قالت عائشة إِن عمر كان أحوذيا أى مثمراً فى الأُمور قاهر لها وهذا اللفظ شاذ قياساً فصيح استعمالا فإِن القياس استحاذ بنقل فتح الواو إِلى الحاء وقلبها ألفاً { فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ } صيرهم ناسين لذكر الله أى تاركين بوسوسته وتزيينه لا يذكرونه بقلوبهم ولا بأَلسنتهم إِلا قليلا غير مخلص وغير نافع أو المراد ذكر القلب وهو التأَثر والاتعاظ، ولو لم يتركوا الذكر اللسانى، والشيطان فيما مر أو يأْتى الجنس أو إِبليس لأَن كل معصية صدرت من أحد معصية منه لأَنه سن المعصية وبث جنوده فى الأَمر بها قال شاه الكرمانى علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والملابس ويشغل قلبه عن التفكر فى آلاء الله تعالى ونعمائه والقيام بشكرها ويشغل لسانه عن ذكر ربه سبحانه وتعالى بالغيبة والكذب والبهتان والنميمة ويشغل لبه عن التفكر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعها، وفى رواية إِسقاط النميمة واللب النور الذى من شأنه أن يكون فى القلب { أُوْلَئِكَ } المذكورون بالأَسواء { حِزْبُ الشَّيْطَانِ } جنوده المعينون له { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } غاية الخسران لأَنهم فوتوا على أنفسهم ما لهم من أجر الدنيا والآخرة بالعذاب الدائم وأكد ذلك بالجملة الاسمية وألا وإِن وهم وإِظهار حزب والشيطان فى مقام الإِضمار والخسران الذى هو غير كامل خسران الإِنسان فى أمر من أمور الدنيا أو بطلان بعض أعماله وإِهباطه عن درجة فى الآخرة إِلى ما هى أدنى مع سعادته.
{ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ } استئناف لذى آخر عام لمن تقدم من المنافقين ولسائر المشركين ولا يظهر ما قيل إِنَّه استئناف للتعليل ولا يخفى ما فيه من التأْكيد بأَن والجملة الاسمية وذكر الإِشارة وكونها بلفظ البعد وقوله فى الأَذلين بدل الأَذلون بالرفع وإِسقاط فى أو بدل أذل وذلك اسم تفضيل فهم أذل من كل ذليل كما أن عزيز الآخرة أعز من عزيز وكما أن عظمة الله تعالى لا منتهى لها يكون ذل من عصاه لا غاية له.
{ كَتَبَ اللهُ } قضى وحكم أو أثبت فى اللوح المحفوظ والمفعول محذوف أى كتب الله عز وجل الغلبة وهذا تأْكيد أعظم من القسم فاجيب كما يجاب القسم بقوله { لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } أو يقدر حال ناصب لقسم محذوف وجوابه أى قائلا والله لأَغلبن أو مفعول لكتب أى كتب فى اللوح المحفوظ هذا اللفظ، والمراد بالغلبة ما يعم الغلبة بالسيف أو الحجة أو الانتقام فى الدنيا والغلبة بالحجة دائمة فتارة تنفرد وتارة تقترن معها الغلبة بالسيف وتارة تقترن بها الغلبة بالانتقام، ولإِطراد الغلبة بالحجة فسر بعضهم الغلبة بها وليس كذلك، فعن مقاتل لما فتح الله تعالى للمؤمنين مكة والطائف وخيبر وما حولها قالوا نرجو أن يفتح الله علينا فارس والروم فقال أبىُّ لعنه الله أتظنون أن فارس والروم كبعض ما فتحتم، كلا إِنهما لأَعظم وأكثر وأشد بطشاً. فنزل كتب الله لأَغلبن أنا ورسلى { إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ } على نصر رسله { عَزِيزٌ } لا يغلبه أحد عما أراد والحرب ولو كانت سجالا لكن العاقبة لغلبة المؤمنين كما أن المؤمنين غالبون يوم بدر ومغلوبون يوم أحد والعاقبة غلبتهم كما فتحت مكة إِلى أن صار زمان هارون الرشيد عرس الإِسلام ومن انتقام الله فى الدنيا إِهلاك قوم نوح وقوم هود وقوم صالح ونمرود وقومه وقوم لوط وقوم فرعون معه وأصحاب الأَيكة ومَسخ من مُسخ من اليهود والنصارى وإِذلال اليهود إِلى قيام الساعة.