التفاسير

< >
عرض

لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٢٢
-المجادلة

تيسير التفسير

{ لاَ تَجِدُ } يا محمد أو يا من يصلح للخطاب { قَوْمًا يُؤْمِنُونَ } نعت قوماً أى قوماً مؤمنين قيل نزلت الآية فى حاطب إِذ كاتب أهل مكة بأَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعد لفتح مكة وعن الثورى نزلت فيمن يصحب السلطان، لقى المنصور عبد العزيز بن أبى رواد فهرب منه وتلاها { بِاللهِ } أى ورسوله بدليل يوادون من حاد الله ورسوله { وَاليَوْمِ الآخِرِ } إِيماناً صحيحاً مخلصا. { يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ } مفعول ثان لتجد بمعنى تعلم أو نعت أو حال من قوما لنعته أو من واو يحادون على أن تجد بمعنى تلقى أو تصادف فمن وإِلى من حاد الله ورسوله فليس مؤمنا إِيماناً صحيحاً مخلصاً والنفى باق على ظاهره، وهو الصحيح ويجوز أن يكون الكلام من باب التخيل خيل أن من الممتنع المحال أن تجد قوماً مؤمنين إِيماناً مطلقاً ولو غير مخلص يوادون المشركين بمعنى لا ينبغى أن يكون ذلك ولو كان فقد جعل الواقع كعدم الواقع لعدم لياقته فالنفى متسلط على اللياقة ومعنى يوادون ويتحببون ويوالون والآية تشمل بالمعنى من يواد السلطان الجائر الموحد وأما بالنزول ففى المحادين المشركين. وذكر سفيان أنها نزلت فيما يرون لشأن من يخالط السلطان وفى الحديث القدسى: "وعزتي وجلالي لا ينال رحمتي من لم يوال أوليائي ويعاد أعدائي" . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "اللهم لا تجعل لفاجر ولا فاسق على يدا ولا نعمة فيوده قلبى، فإِنى وجدت فيما أوحى إِلىّ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون..." الآية. ولا يتحبب إِلى مبتدع ولا يونس ولا يؤاكل ولا يشارب ولا يصاحب ولا يضاحك فذلك سبب لنزع نور الإِيمان. قال التسترى: من صحح وأخلص توحيده فإِنه لا يأنس بمبتدع ولا يجالسه ويظهر له من نفسه العداوة، ومن داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن. ومن أجاب مبتدعا لطلب عز الدنيا أو غناها أذله الله بذلك العز وأفقره بذلك الغنى، وكان بعض الصوفية يفعل ذلك ولا يقلع. وقد قالوا كل تصوف خالف تصوف الجنيد فهو بدعة { وَلَوْ كَانُوا } أى من حاد وضمير الجماعة للمعنى والإِفراد فى حاد للفظ { آبَاءَهُمْ } آباء القوم الموادين { أوْ أبْنَاءَهُمْ أوْ إِخْوَانَهُمْ أوْ عَشِيرَتَهُمْ } المراد مطلق الأَقارب بل الأُم والجد وما ذكر تمثيل وقدم الآباء لوجوب طاعتهم وبرهم على الأَبناء وثنى بالإِخوان أعضاد والمراد بالأَخ فى قوله:

أخاك أخاك إِن من لا أخا له كساعٍ إِلى الهيجا بغير سلاح

ما يشمل الأَخ بالنسب أو الرضاع أو التناصر وختم بالعشيرة لأَنهم يلون الإِخوان فى النصر ولما كان الكلام فى التغيي حمل الأبوة على النسبية لا على ما يشمل الجد وأبوة الرضاع وأبوة التبنى، وحمل البنوة على النسبية لا على ما يشمل بنوة التبنى وبنوة الالتقاط وبنوة الرضاع. وحمل الأُخوة على الأُخوة النسبية الشقيقية والعشيرة على الخلص لا على ما يشمل اللصيق { أُوْلَئِكَ } الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم { كَتَبَ } الله { فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ } أى أثبته وعبر بالكتابة لأَنها أقصى ما يحافظ به، فلو أعطيت إِنسانا شيئا وأشهدت لكانت الكتابة أشد حرزا له ويراد الشئ ثم يقال ثم يكتب. قيل دلت الآية على خروج العمل عن الإِيمان لأَن جزء الشئ الثابت فى القلب ثابت فيه قطعا ولا شئ من أعمال الجوارح ثابت فيه لكنه شرط للإِيمان، ألا ترى إِلى قوله تعالى: آمنوا وعملوا الصالحات { وَأيَّدَهُم } قواهم { بِرُوحٍ مِّنْهُ } من عنده والروح نور يقذفه الله تعالى فى قلب من يشاء تحصل به الطمأنينة والتحقيق وتسميته روحا مجاز لعلاقة التسبب للحياة الطيبة الأَبدية أو لعلاقة التشبه، فإِنه من يكن له ذلك النور كميت، فهو كالحياة لمن هو فيه أو الروح القرآن لعلاقة التشبه وهو أولى من علاقة التسبب أو جبريل فقد شاع تسميته روحا والتأييد بجبريل للوحى أو يوم بدر أو هاء منه للإِيمان والروح أيضا الإِيمان عظم الإِيمان حتى كأَنه تولد منه إِيمان آخر على طريق التجريد ومن التجريدية ابتدائية أو بيانية قولان نحو ترى من زيد البحر والآية فى أبى بكر سمع أباه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصكه صكة سقط بها فأَخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أفعلت يا أبا بكر؟ فقال: نعم. فقال لا تعد فقال والله لو كان السيف قريبا منى لضربته ويروى لقتلته" ، أو فى أبى عبيدة بن عبد الله بن الجراح أكثر أبوه التعرض لقتله وهو يميل عنه، ولما رأى ذلك قتله. قيل ذلك يوم أُحد والصحيح أنه يوم بدر، كما ذكر البخارى ومسلم أنه أُسر يوم بدر فسمعه أبو عبيدة يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتله أو نزلت فى أبى بكر إِذ دعا ابنه إِلى البراز يوم بدر أو فى مصعب ابن عمير، قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أُحد أو فى عمر قتل خاله العاصى بن هشام يوم بدر أو نزلت فى هؤلاء كلهم وهو أولى.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه ولو كانوا آباءهم يعنى أبا عبيدة بن الجراح يوم أُحد أو أبناءهم يعنى الصديق رضى الله عنه إِلى البراز يوم بدر. وقال يا رسول الله دعنى أكن فى الرعلة الأُولى فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
"متعنا بنفسك يا أبا بكر، أما علمت أنك مني بمنزلة السمع والبصر" . أو إِخوانهم يعنى مصعب بن عمير قتل أخاه عبد الله بن عمير أو عشيرتهم يعنى عمر بن الخطاب قتل خاله العاصى ابن هشام بن المغيرة يوم بدر، وهو من عشيرته وعلى بن أبى طالب وحمزة وأبا عبيدة قتلوا عتبة وشيبه ابنى ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر. { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ } قبل عملهم وأثابهم عليه { وَرَضُوا عَنْهُ } عملوا بما أمرهم به أو شكروه وحمدوه وابتهجوا بما لهم عاجلا وآجلا { أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ } وحدهم لا غيرهم ولا هم مع غيرهم. { هُمُ الْمُفْلِحُونَ } اللهم بفضلك وسعة رحمتك اجعلنا منهم على ما كان. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.