التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
١٩
لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ
٢٠
لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
٢١
-الحشر

تيسير التفسير

{ وَلاَ تَكُونُوا } أيها الناس أو المؤمنون { كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ } تركوا أوامره ونواهيه تركا بليغًا، كالأَمر الذاهب عن الحافظة وما رعوها حق رعايتها وما قدروا الله حق قدره.
{ فَأَنسَاهُمْ أنفُسَهُمْ } أبقاهم ناسين أى تاركين لمصالح أنفسهم الدينية والأخروية، لم يقدموا لأَنفسهم خيرا واختاروا لأَنفسهم خلاف الحق لكن بخلق الله أيضاً أولا، فأَبقاهم عليه خذلانا لهم أو أراهم الله يوم القيامة أهوالا تنسيهم أنفسهم حتى لا يدرون من هم ولا ما حالهم ولا أين هم، وهذا ممكن ولو ظهر أنه بعيد، وذلك فى بعض الأَحيان.
{ أُوْلَئِكَ } البعداء فى سوء الاعتقاد والقول والفعل { هُمُ الْفَاسِقُونَ } الكاملون فى الفسق.
{ لاَ يَسْتَوِي أصْحَابُ النَّارِ } الناسون الله عز وجل المستحقون الخلود فى النار { وَأصْحَابُ الْجَنَّةِ } المتقون لله الرحمن الرحيم المستحقون الخلود فى الجنة، وقدم أصحاب النار إِيذاناً من أول بأَن القصور والنقص جاء من جانبهم، وأن الصواب أن يؤمنوا ويتقوا ويساووا أصحاب الجنة، والأَصل فى عدم الاستواء اعتباره من جانب الناقص وعليه قوله هل يستوى الأَعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور، وليس ذلك لازما، ألا ترى أنه قدم الذين يعلمون على الذين لا يعلمون، والمراد بالاستواء فى أمور الآخرة من إعطاء الكتب بالأيمان والشمائل ونضارة الوجه وسواده والجنة والنار وغير ذلك مما يدل له التعبير بأَصحاب النار وأصحاب الجنة وكما يدل له قوله تعالى { أصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } فإِنه مستأْنف لكيفية عدم الاستواء بأَن المؤمنين فازوا بكل مطلوب والنجاة من كل مكروه والكفار بعكس ذلك، ولذلك قلنا لا تدل الآية على أنه لا يقتل مؤمن بكافر ولا يحل ما غنمه المشركون من المؤمنين وإِنما نقول لا يقتل مؤمن بكافر بغير الآية من الحديث، وفى حل ما غنموه من المؤمنين خلاف، ولى فيه رسالة والآية معرضة بأَن الناس كمن لا يعرف أن الجنة شئ طيب ولا أن فيها الفوز، ولا أن النار شئ كريه، إِذ لم يجتهدوا فى شأن ذلك، كمن قال لعبد عصى سيده: إِنه سيدك. ولمن عق أباه: إِنه أبوك. كأَنه لا يعرف أنه سيده وكأَنه لا يعرف أنه أبوه.
{ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ } أى هذا المقروء، فهو باعتبار معنى جنسيته نعت أو عطف بيان أو بدل على ما شهر وبحث فيه وإِن جعلناه علماً فهو عطف بيان أو بدل وإِشارة القرب تنبيه على ظهور كونه حقاً وكونه عظيماً عند كل من لم يكابر عقله.
وفى الترمذى عن معقل بن يسار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث الآيات من آخر سورة الحشر، يعنى لو أنزلنا.. الخ. وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي فإِن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي كان كذلك" . { عَلَى جَبَلٍ } من الجبال كائنا ما كان أو على جبل عظيم وركب فيه العقل { لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا } ذليلا له { مُتَصَدِّعًا } منشقاً { مِنْ خَشْيَةِ اللهِ } مع قسوة الحجر والصخور وعدم تأَثرها بما يصادمها، وذلك لقوة ما فى القرآن من الوعظ والزجر، وفى ذلك تعريض بقسوة قلب الإِنسان إِذ لم يتأَثر به، وصرح بذلك فى قوله تعالى { وَتِلْكَ الأَمْثَالُ } التى هى قوله تعالى: لو أنزلنا هذا القرآن.. الخ وما أشبهه فى سائر القرآن، كما أشار إِليه بذكر القرآن فإِنه منطو على أمثال { نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } قال سهل بن يسار قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يصبح أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، وإِذا مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة" .
وعن على وابن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أن قوله تعالى: لو أنزلنا إِلى آخر السورة، رقية للصداع" ، قال إِدريس ابن عبد الحميد الحداد قرأت على خلف ولما بلغت لو أنزلنا هذا القرآن على جبل، قال: ضع يدك على رأسك، فإِنى قرأت على يحيى بن وثاب ولما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك، فإِنى قرأت على علقمة والأَسود ولما بلغت هذه الآية قالا: ضع يدك على رأسك فإِنا قرأنا على عبد الله بن مسعود رضى الله عنه، فلما بلغنا هذه الآية قال ضعا أيديكما على رءوسكما فإِنى قرأت علىالنبى - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغت هذه الآية قال: ضع يدك على رأسك، فإِن جبريل عليه السلام لما نزل بها قال: ضع يدك على رأسك، فإِنها شفاء من كل داء إِلا السام والسام الموت، والله أعلم.
والمراد الوضع على وسط الرأس أو أعلاه لا خصوص ما فوق الجبهة ويأتى مثل ذلك فى تفسير آخر سورة "والضحى".