التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ
٢٢
هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٢٣
هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٤
-الحشر

تيسير التفسير

{ هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ } أى الغائب أو ذا الغيب كله، ماضيه وحاضره ومستقبله، ما فى الدنيا وما فى الآخرة، والسر والإِعلان، و (الـ) للاستغراق وهو ما لم يتعلق به علم مخلوق فهو عالم بنفسه، وما تحت الأَرضين وما بداخل الأَرض وداخل كل جسم وما يتضمن الماء والأَرض والشجرة من الثمار وما يتضمن الحجر والشجر من النار وهكذا.
وقدم الغيب لتقدمه فى الوجود فى حق المخلوق فيما يحدث له علم به، أو لأَن علم الله تعالى به دليل على علمه بالشهادة، والغيب المطلق ما لا يتعلق به علم مخلوق ولا إِحساسه. والغيب المضاف ما لم يتعلق به علم مخلوق دون آخر. وفسر بعضهم الآية بالمطلق أمكن أن يعلم بعد أو لم يمكن وعلم بعد، أو لم يعلم. وتفسيرها بالأَعم أولى وقيل الغيب ما لا يقع عليه علم مخلوق من المعدوم أو الموجود الذى لا يدرك. وقيل الغيب ما لم يكن وبه قال أبو جعفر من آل البيت.
وقال الحسن الغيب السر وقيل الغيب الآخرة لأَنه لم يشاهد منها شئ { وَالشَّهَادَةِ } ما علمه بعض الخلق ولو جهله بعض أو ما علم مع الحضور بالبصر أو القلب. وقيل ما يقع عليه الإِدراك بالحس، وقال أبو جعفر الشهادة ما كان، وقال الحسن: العلانية. وقيل ما فى الدنيا وما لم يكن غيباً فهو شهادة وما لم يكن شهادة فغيب والمراد الشاهد أو ذا الشهادة { هُوَ الرَّحْمَنُ } فى الدنيا والآخرة { الرَّحِيمُ } لكل أحد إِلا من أبى فى الآخرة، فالرحمن لأَنه يرحم فى الدنيا من هو مؤمن، ومن هو كافر، وهذا كما قيل رحمن الدنيا ورحيم الآخرة { هُوَ اللهُ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } تأْكيد للتوحيد إِذ لم يقل لا إِله إِلا الله { الْمَلِكُ } المتنزه تنزها عظيماً عن صفات الخلق والنقص الكامل فى أوصافه { السَّلاَمُ } ذو السلامة من كل نقص أو ترجى منه السلامة أو يسلِّمُ على عباده المؤمنين فيسلمون من كل مكروه ولا يتكرر مع القدوس إِذا فسر بالسلامة، لأَن القدوس من معنى السلامة على الإِطلاق من كل نقص، والسلام من السلامة أن يصيبه نقص بعد { الْمُؤْمِنُ } الذى يصير خلقه آمنين من جوره لانتفاء الجور عنه أو المؤمن بنفسه ورسله المصدق لهم بالمعجزات أو مؤمِّن خلْقَه السعداء من الفزع الأَكبر أو مخبرهم أن لا خوف عليهم، أو المصدق للمؤمنين فى قولهم آمنا، وفى شهادتهم على الناس يوم القيامة { الْمُهَيْمِنُ } مفيعل من الأَمن للمبالغة فيه كمسيطر وليس تصغيراً أو أخطأَ من قال إِنه تصغير فإِن التصغير لا يدخل أسماء الله تعالى.
ولعل مراد المبرد بقوله بالتصغير أنه على صورة التصغير، ومعناه الرقيب الحافظ لكل شئ؛ الذى لا يغيب عنه شئ. القائم على خلقه فحذف المتعلق للعموم والأُصول فيه كما رأيت الهاء المبدلة من همزة أمن ومعنى أصالتها أنها غير زائدة والميم والنون والفعل هيمن بوزن فيعل، والأَصل أيمن بفتح الهمزة والميم وسكون الياء بينهما. ويقال أمن الراعى الذئب على الغنم بمعنى أنه كمل حفظه عليها والله سبحانه وتعالى كامل القدرة والحفظ على خلقه لا يخرج منه شئ عما أراد، وقيل من الأَمانة، لأَن الأَمين على الشئ حافظ له، وضعف هذا القول لأَنه لا ينبئ عن المبالغة وعموم القدرة والعلم كما ينبئ على ذلك ما ذكر قبله.
وقال الجوهرى اسم فاعل من أمنه الخوف، أبدلت الهمزة هاء لئلا تجتمع همزتان وذلك كما فى هراق الماء والأَصل أراق وهياك فى إِياك ومعناه صير الخلق آمنين، وكل من المؤمن والمهيمن يفسر بما لم يفسر به الآخر وفسره بعض بالقاضى وبعض بالأَمين وبعض بالعلى { الْعَزِيزُ } الغالب وقيل الذى يعذب من أراد وهو تفسير باللازم من القول الأَول وقيل الذى لا يحط من منزلته وهو أيضاً تفسير باللازم، وقيل الذى عليه ثواب العاملين، وليس هذا من معانيه فى اللغة. وقيل الذى لا نظير له { الْجَبَّارُ } صفة مبالغة من الثلاثى على القياس وهو من الجبر للكسر بمعنى إِصلاحه، يقال جبر الله العظم فانجبر، والله عز وجل أصلح أحوال خلقه إِصلاحاً عظيماً إِيجاداً وإِبقاء وشكلا وصورة وهداية إِلى كل ما ينفعهم دنيا وديناً ومن خالف عوقب، جبر الله الفقير بالغنى ويجبر الكسير فهو صفة فعل، وقيل الذى لا ينافس فى فعله ولا يطالب بعلة ولا يحجر عليه فى مقدوره.
وفسره ابن عباس بالعظيم وجبروت الله سبحانه: عظمته فهو صفة ذات، وقيل الذى لا يناله غيره كما يقال للنخلة التى لا تصلها اليد بلا طلوع لطولها جبار وكما يقال جرح العجماء جبار والمعدن جُبار بالضم والتخفيف أى مهدور لا يدرك، وقيل صفة مبالغة من الرباعى وهو أجبره بمعنى قهره، وذلك وارد مسموع لا يقاس. وجاء أيضاً جبره بلا همزة بمعنى قهره وذلك على القلة، فصيغة المبالغة على القياس { الْمُتَكَبِّرُ } التفعل للعلاج والله منزه عنه فيفسر فى صفات الله وأفعاله بلازمه وهو كونه بليغاً فى الوصف لأَن الأَمر الذى يتكلف ويعالج يكون قويا صحيحاً فالمراد بالمتكبر كبير الشأن كبراً قوياً جداً، وله الكبرياء فى السماوات والأَرض أو المتنزه عن كل نقص تنزها عظيماً، وقد شرحت الأَسماء الحسنى وشرحت قبلى، ويفسر كل ما لم يفسربه الآخر ولا بأس بالترادف تأكيداً، والتأْسيس أولى.
وعن ابن عباس: المتكبر هو الذى يتكبر بربوبيته، فلا شئ مثله إِذ لا رب سواه تعالى، وقيل المرتفع عن كل سوء وقيل المتعظم عما لا يليق بجماله، وقيل المتكبر عن ظلم العباد.
{ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ما اسم والرابط محذوف مع الضمير الآخر، أى عن الأَشياء التى يشركونها به أو عن أشياء يشركونها به أو مصدرية أى عن إِشراكهم { هُوَ اللهُ الْخَالِقُ } الموجد لكل شئ من شئ أو من غير شئ، أو المقدر لكل شئ على وجه تقتضيه الحكمة. وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى أى يقدر الشئ ولا يقطع فيه، وقيل المقدر لقلب الشئ إِلى غيره بالتدبير. وفى هذا القول تخصيص فى مقام العموم، ولعل قائله اعتبر العموم فى قوله البارئ فصح له التخصيص فى لفظ الخالق. { الْبَارِئُ } الموجد للأَشياء بريئة من التفاوت بحسب الحكمة ولا يتكرر مع لفظ الخالق بمعنى الموجد، فإِنه أخص من الخالق، فإِن الخلق مطلق الإِيجاد والبرأ الإِيجاد مع البراءة من التفاوت، وقيل البارئ مميز بعض عن بعض بحيث يبرأ عن الالتباس، إِذ جعل كلا على شكل غير شكل الآخر { الْمُصَوِّرُ } الموجد لصور الأَشياء وأشكالها أو ما تتميز به فى الحسن كصورة الإِنسان وصورة الفرس، أو عقلا كتميز الإِنسان عن نحو الفرس من العقل ونحوه. كما قال بعض الممثل للمخلوقات بالعلامات التى يتميز بها بعض عن بعض، وبعض بالخالق على غير مثال سابق، وقيل الخالق على غير مثال سابق والبارئ المنشئ لما يريد من خلقه من العدم إِلى الوجود والمصور المنشئ على صور مختلفة، وقيل التصوير التخطيط، فأَولا يكون خلقاً ثم برأ ثم تصويراً.
ويقال قدم الخالق على البارئ لأَن تأْثير الإِرادة مقدم على تأْثير القدرة، وقدم البارئ على المصور لأَن إِيجاد الذات مقدم على إِيجاد الصفات، وفيه أنه لا تخلق ذات موجدة عن صفة أولا: { لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } بمعنى الأَلفاظ المخلوقة بعد الأَزل، والقديم هو معانى صفات الذات منها وعلمه بما سيحدثه بعد لزمانه ومقداره وكيفيته من صفات الأَفعال وكونه أهلا لذلك كله، وحسنها راجع لذاتها بمعنى أنها شئ يستحسن وراجع إِلى غيرها وهو الانتفاع بالإِيمان بها دنيا ودينا وأخرى وإجابة الدعاء بها والتبرك والرقيا وصفات الذات هو لا غيره ولا تبعض لتعددها فذات الواجب كافية فى معانيها. { يُسَبِّحُ لَهُ } بلسان الحال ولسان القال. { مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } الأَرضين السبع وغيرهن كالعرش والكرسى وما تحت الأَرضين وما بين كل شيئين من ذلك وأجزاء ذلك، فإِن جزء الشئ فى الشئ { وَهُوَ الْعَزِيزُ } أعاده تأْكيدا أو هذا بمعنى من المعانى السابقة والأَول بمعنى آخر منها { الْحَكِيمُ } فى كل قول وفعل قيل، والحكمة تحلية فأخرت والعزة تخلية فقدمت والله أعلم.