التفاسير

< >
عرض

قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
١٠٤
-الأنعام

تيسير التفسير

{ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ } أَى حجج وهى آيات القرآن، تدرك به النفس الحق وتميزه من الباطل كما يدرك الشئ بالبصر الذى هو نور فى العين، فالبصر فى الوجه والبصيرة فى القلب، وقد يطلق البصر أَيضاً علىنور القلب، وحمل عليه بعضهم قوله عز وجل " { ما زاغ البصر وما طغى } " [النجم: 17] { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ } أَى من أَبصر بها الحق فعمل به وهو أَن يؤمن ويعمل العمل الصالح ويتقى فإبصاره لنفسه، أَو فلنفسه إِبصاره، أَو فأَبصر لنفسه أَو فلنفسه أَبصر، وتقدير المبتدأ أَولى، لأَن قوله لنفسه وعليها حينئذ عمدتان، ويقرن معمول الجواب بالفاء إِذا حذف الجواب أَو أخر، ولو صلح لأَن يكون شرطاً، لأَنه إِذا ذكر الجواب تبين الربط به، وإِن لم يذكر أَو فصل خلفته الفاء، نحو إِذا جئت أَكرمت زيداً وإِلا فعمراً، أَى وإِلا أَكرمت عمراً، أَو نحو إِذا جئت أَكرمت زيداً وإِلا فعمراً أَكرمت، وهذا مما غفلوا عنه فأَوجبوا إِسقاط الفاء من الجواب الصالح للشرط ولو حذف وبقى معموله، أَو تقدم عنه معموله، ثم رأَيت قولا كما قلت وقولا بالجواز، بعد قول بجواز الإِسقاط، { وَمَنْ عَمِىَ } أَى ضل عن الإِيمان بها وما يتبعه { فَعَلَيْهَا } فعليها عماها، أَو فعماها عليها، أَو فعمى عليها أَو فعليها عمى على حد ما مر، وذلك كله اعتبار لجانب التقدير من اللفظ المذكور فهو أَولى لموافقة اللفظ، وفهم النفع والضر من اللام وعلى من قول الزجاج فلنفسه نفع ذلك وعليها ضرره، ومثله فلها ثوابه وعليها وباله { وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ } على أَعمالكم { بِحَفِيظٍ } رقيب. إِنما أَنا نذير مبلغ والمثيب والمعاقب هو الله عز وجل، وتقديم عليكم للاهتمام والفواصل، والحصر مستفاد من تقديم المسند إِليه، أَى أَنا وحدى لست حفيظاً عليكم، بل الله هو الحافظ على طريقة قولك أَنا قمت ولو لم ترد الحصر لقلت قمت بدون أَنا، هكذا قال بعض كما يوجد في كتب المعانى والبيان. والحاصل أنَه نفى الوحدة فى الحفظ عن نفسه وحصرها لله تعالى، والقول مقدر، أَى قل يا محمد قد جاءَكم بصائر من ربكم فمن أَبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أَنا عليكم بحفيظ، وهنا تم القول.