التفاسير

< >
عرض

يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ
١٣٠
-الأنعام

تيسير التفسير

{ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ والإِنْسِ } يقول لهم الله بما شاءَ، أَو تقول الملائكة لهم توبيخا، ويدل لقول الله "يقصون عليكم آياتى" وعلى أَن القول للملائكة يكون التقدير تقول الملائكة عن الله { أَلَمْ يَأْتِكُمْ } إِنكار لانتفاء فثبت الإِتيان، وتوبيخ على ترك التأَثر بما جاءَت به الرسل { رُسُلٌ مِنْكُمْ } كثيرون عظام لم يخرجوا عنكم ويكونوا من غيركم، بل كانوا من بعضكم، فذلك حكم على المجموع وكل لا على الجميع ولا كلية، فلا ينافى أَن الأَنبياء من الإِنس فقط، لكن لما جمعوا مع الجن فى الخطاب وكلف الجن بما كلف به الإِنس وبواسطة أَنبياءِ الإِنس صح الخطاب، فلا دليل فى الاية لمن استدل بها على أَن رسل الجن من الجن، ولا فى قوله تعالى " { وإِن من أَمة إِلا خلا فيها نذير } "[فاطر: 24]؛ لأَن المراد أَمم الإِنس كما هو المتبادر من الآية، ولا فى قوله تعالى " { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } "[الأنعام: 9] إِذ كانت علة جعل الملك رجلا أَنه أَليق فذلك يكون أَليق بالجن رجلا منهم؛ لأَنا نقول رسول الإِنس لائق بهم يسمعون منه وممن أَخذ منه ويحضرون الدروس ولا نراهم، وربما سمع سؤال منهم، وقد استمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: الآية تدل على أَن رسل الجن من الجن لكن لم يوح إِليهم بل سمعوا من رسل الإِنس الموحى إِليهم، والمراد بالرسل فى الاية ما شمل رسل الرسل كقوله تعالى " { ولوا إِلى قومهم منذرين } " [الأحقاف: 29] وهذا كما سمى الله عز وجل رسل عيسى رسل الله، قال " { إِذ أَرسلنا إِليهم اثنين } "[يس: 14] وقام الإِجماع على أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل إِلى الجن والإِنس، قلنا: هو مرسل إِلى الأَنبياءِ قبله وأَممهم، وإِلى الجن أَيضا قبله، فقد وبخوا بكفر مع إِتيانه صلى الله عليه وسلم إِليهم بالآيات كما عمه قوله { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِى وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } يوم القيامة. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أَن الجن قتلوا نبيا لهم قبل آدم اسمه يوسف. وأَن الله تعالى بعث إِليهم رسولا وأَمرهم بطاعته. ولكن لم يثبت ذلك إِلى ابن عباس بسند. ولا شك أَن الأَنبياء أَرسلهم الله عز وجل إِلى الجن؛ لأَنه لا يهمل الجن كما لا يهمل الإِنس، إِما بلا وساطة وهو وجه ضعيف حتى قيل وقع الإِجماع أَنه لم يرسل إِليهم منهم أَو بواسطة الآخذين عنهم من بنى آدم، قالوا إِنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى فيقال أَنهم يهود من الجن لم يعرفوا أَمر عيسى عليهما السلام. وعن الكلبى الثانى. أَنه كانت الأَنبياء رسلا إِلى الإِنس حتى بعث صلى الله عليه وسلم إِلى الإِنس والجن، ومعنى يقص يحدث بالكلام على وجهه مبينا كما يتتبع أَثر قدم؛ كأَنه قيل فماذا قالوا عند ذلك التوبيخ فقال { قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } اعترفنا بأَن الرسل قد بلغتنا بلا واسطة وبها، فإِنه إِذا كان الرسل يتكلمون بالوحى يسمع الحاضر من الجن ولا عذر لنا فى كفرنا ومخالفتنا { وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } فمالوا إِلى لذات الكفر والكسل { وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ } فى الدنيا، ذمهم الله على سوءِ صنعهم بالإِصرار واعترافهم فى وقت لا يدفع عنهم الاعتراف ما استوجبه من العقاب، وهذا الإِخبار زجر لغيرهم عن مثل ذلك، وهذا الاعتراف بأَلسنتهم فى موطن من مواطن القيامة حيث اشتد إِياسهم أَو ختم على أَلسنتهم وأَقرت جوارحهم، وفى موطن قبل هذا رأَوا ما للمؤمنين من الخير فقالوا " { والله ربنا ما كنا مشركين } " [الأنعام: 23] ظنا أَن الإِنكار ينفعهم، والشهادة الأُولى فى الآية إِخبار باعترافهم والثانية تخطئة لرأَيهم.