التفاسير

< >
عرض

وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ
١٣٣
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ } مبتدأ وخبر، وذو خبر ثان وإِن يشأ إِلخ خبر ثالث أَو مستأنف، أَو الغنى نعت وذو خبر أَو نعت ثان وإِن يشأ إِلخ خبر. ومعنى الغنى أَنه لا يحتاج إِلى عبادة خلقه ولا ينتفع بها ولا تضره المعصية، والله كامل لا يستكمل { ذُو الرَّحْمَةِ } ذو الإِنعام على خلقه بإِرسال الرسل وإِمهال العاصى وبالتكليف، فيثيب المطيع وذلك تكميل لهم، فقوله { وربك الغنى ذو الرحمة } متعلق بما قبله من الإِرسال والدرجات، وتنبيه على أَن التكليف ليس نفعا لله بل للمكلف، وتمهيد لقوله { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } لأَن الغنى الكامل لا يبالى من إِهلاك شئ أَو إِيقاعه وإِمهاله. وكذا ذو الرحمة لا يبالى بالإِبقاءِ لغناه عن الاتلاف. والخطاب لأَهل مكة أَو للعصاة مطلقا والمقام لذلك لا كما قيل لمطلق الناس، ووجهه أن المراد بيان أَن الله غير محتاج لخلقه مطلقا، وإِذهابهم إِهلاكهم بمرة، أَو جملة بمرة، وجملة بمرة وجملة بمرة فقط، أَو هكذا أَو واحداً واحداً أَو اثنين اثنين أَو نحو ذلك، أَو بتخالف عن الاتصال فى ذلك كله مما يخالف الموت المعتاد فى الناس { وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ } أَى ينشئ من بعد إِذهابكم ما أَراد من أَنواع الخلق عقلاءَ أَو غير عقلاء، يدل للنوعين لفظ ما، فإِن النوع غير عاقل ولو كانت أَفراده عقلاءَ أَطاعوا أَو لم يطيعوا مثلكم، وقيل المراد يستخلف من يطيع، ويدل لكون الاستخلاف الإِنشاءَ والجعل فى مكان من أَذهب قوله تعالى { كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرَّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } هكذا قرنا بعد قرن، ولكن لم يذهبكم رحمة لكم. ولا دليل لما قيل: القوم الآخرون خصوص أَهل سفينة نوح وهم مطيعون وتناسلوا ذرية أُخرى، بل مطلق الذريات، أَو القوم الآخرون أَجدادهم هكذا على الإِطلاق قربا وبعدا.