التفاسير

< >
عرض

قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ
١٣٥
-الأنعام

تيسير التفسير

{ قُلْ } لهم { يَا قَوْم اعْمَلُوا عَلى مَكَانَتِكُمْ } هددهم على أَن يعملوا كل ما شاءُوا من المعاصى والعناد والمناقضة لما أَنا عليه قدر ما أَمكنكم وقويتم عليه بلا نقص شئ منه، فمكانة مصدر مكن من الأَمر أَى قد قدر عليه وأَطاقه وتمكن منه، والميم أَصل والأَلف زائدة، أَو على أَى حال كنتم من معصية وعناد فهو من الكون فالميم زائدة والأَلف بدل من الأَصل مجاز من موضع الكون إِلى عموم الأَحوال، أَو من قولك اثبت على مكانتك يا فلان أَى لا نتحرف عما أَنت عليه. أَى اثبتوا على مخالفتكم. وعلى كل وجه هو كقوله تعالى { اعملوا ما شئتم } [فصلت: 40] وقيل بمعنى المكان والمقام كما فسره ابن عباس بالناحية وهو راجع إِلى ما مر { إِنِّى عَامِلٌ } على مكانتى فى الثبات على الإِسلام والزيادة منه والدعاء إِليه لا أَترك حالتى ومقامى. أَمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أَن يخاطبهم خطاب من أَجمع على عذابهم وخطاب من أَيس منه أَن يصدر منه خير، حتى كأَنهم أَمروا بكفر لا يقدرون أَن يتخلصوا عنه، شبه كفرهم بالإِيمان الواجب الذى لا بد منه فلا بد من أَن يكفروا لقضاءِ الشقاءِ عليهم { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } عطف على إِنى عامل عطف فعليه على اسمية، والفاء سببية فإِن كونه صلى الله عليه وسلم عاملا على مكانته سبب لا يطلعون بعد على أَن له عاقبة الدار { مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ } أَى عاقبة الدنيا، فالدار الدنيا وعاقبتها الجنة لأَنها تكون بعد الدنيا، وهى نتيجة الدنيا لأَن الدنيا خلقت لتكسب منها الجنة ومطية إِليها، ومجاز إِليها. ومن لقى العذاب فى الآخرة فلانحرافه عما خلقت له الدنيا من الطاعة الموصولة إِلى الجنة. فالنار ولو كانت عاقبة أَيضا للكفار لكنها بالعرض لا بالذات، فالعاقبة الأَصلية الجنة فهى المرادة فى القرآن حتى يبين غيرها كما بين فى قوله تعالى { فكان عاقبتهما أَنهما فى النار } [الحشر: 17] ويجوز أَن تكون الدار هى الآخرة وعاقبتها الجنة لأَن الجنة دائمة فيها بعد البعث والمحشر، ومن موصول أَو نكرة موصوفة مفعول لتعلم بمعنى تعرف، فله مفعول واحد، أَو استفهامية مبتدأ والجملة بعدها خبر والمجموع سد مسد مفعول تعلم بمعنى تعرف معلقا عن العمل، أَو مسد مفعولى تعلم المتعدى معلقا عنهما، وعلى كل حال عن بمعنى الإِنسان أَو الفريق، وفى الاية إِنذار بإِنصاف القوم إذ لم يثبت لهم العاقبة مع أَنها له كقوله تعالى " { وإِنا أَو إِياكم } " [سبأ: 24] إِلخ. وإِنما يكون ذلك حيث يكون المنذر واثقاً بأَنه على الحق وكأَنه قيل ما عاقبتم؟ فقال { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } مقتضى الظاهر أَنه لا يفلح الكافرون؛ لأَنه يخاطب الكفار لكن وضع الظالمين لأَن الظلم يعم الإِشراك وسائر الكبائر، فهم معاتبون على أُصول الشريعة وفروعها حتى الصغائر؛ لأَنهم أَصروا فلا تغفر لهم فهم ظلموا أَنفسهم وغيرهم ودين الله عز وجل.