التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
١٣٨
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَقَالُوا هَذِهِ } إِشارة إِلى ما جعلوا لآلهتهم من الأَنعام والحرث { أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ } كانوا يعزلون قدرا من الحرث حين الحرث لها ولا يؤخرونه إِلى أَن تجنى ثماره أَو تحصد، أَو المراد ثمار حرث ويناسبه قوله { لاَ يَطْعَمُهَا } لا يأكلها { إِلاَّ مَنْ نَشَاءُ } فإِن الحرث بالمعنى المصدرى لا يؤكل فتبين أَن المراد بالحرث ثمار تنشأ عنه، أَو المراد بالحر الحب مثلا المحروث فيقدر أَيضاً الثمار الناشئة عنه، أَو من مجاز الأَول فإِنه يصير بعد ثمار أَى لا يطعم ثماراً تتولد منه، أَو الحرث نفس الثمار المتولدة، وحجر محجور أَى ممنوعة نعت لأَنعام وحدث لأَنه مصدر أطلق بمعنى الوصف فصلح للقليل والكثير وللذكر والأُنثى ومن شأَنهم خدمة الأَوثان وسائر الرجال { بِزَعْمِهِمْ } متعلق بحال من واو قالوا أَى ملتبسين بزعمهم، أَو متعلق بقالوا أَى قالوا فى زعمهم لا بنشاء ولا حال من ضميره لأَنه ليس فى كلامهم لفظ بزعمهم بل هو من الله عز وجل، كما أَنه لا يجوز تعليق بزعمهم المذكور قبل هذا بالله ولا بمتعلقة لأَنه ليس من كلامهم { وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا } أَى وهذه أَنعام أخر. وجملة حرمت إِلخ نعت، وجملة هذه أَنعام معطوفة على هذه أَنعام، وهذه الأَنعام الأُخرى البحائر والوصائل والسوائب والحوامى ناقة تلد خمسة آخرها ذكر وإِن ولدت شاة أنثى فلهم أَو ذكر ذبح للصنم أَو إِياهما لم يذبح، إِن شفيت من مرض فناقتى سائب، الحامى ولد عشرة لا يركبونها لحج ولا لغيره ولا يحملون عليها { وَأَنْعَامٌ } عطف على أَنعام وقوله { لاَ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا } نعت أَنعام أَى لا يذكرون اسم الله عليها عند ذبحها، بل أَسماء أَصنامهم أَو المعنى لا يحجون عليها ولا يعتمرون، ولا يفعلون عليها خيراً، فإِن من شأن من دخل حجاً أَو عمرة أَو دخل فعل الخير أَو أَراد دخول ذلك أَن يذكر الله جل وعلا فذكر اللازم عن الملزوم بطريق النفى، وكان مضارعاً لقصد التجدد والاستمرار فى ترك التسمية، وكذا فى الطعم، بخلاف التحريم فإِنه بمعزل عن ذلك، فكان بلفظ الماضى؛ ووجه كون الجملة نعتاً لأَنعام مع أَنها ليست من كلامهم، والكلام قبل ذلك مسوق فى حكاية كلامهم أَنه نعت كعطف التلقين لتمييز المنعوت، كما زاد الله من عنده تمييزا لم يسقه من سياق كلامه فى قوله تعالى " { إِنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله } " [النساء: 157] فى أَحد أَوجه، وكأَنه قيل وأَنعام ذبحت على الأَصنام، أَو لا يحج ولا يعتمر ولا يفعل خير عليها، ويجوز أَن تكون الجملة من كلامهم على الالتفات السكاكى فإِن مقتضى الظاهر على هذا لا نذكر اسم الله عليها بل تخصص بالأَصنام، وفي هذا الوجه لا ينصب قوله { افْتِرَاءً عَلَيْهِ } بيذكرون بأَن يقال لأَنهم لا يقولون عن أَنفسهم لا نذكر اسم الله افتراء عليه، وإِن قلنا أَنعام مبتدأ للتنويع خبره حرمت وأَنعام مبتدأ للتنويع خبره لا يذكرون اسم الله لم يكن من كلامهم، بل إِخبار من الله عنهم بالنوعين انتصب بيذكرون، ويقدر مثله لحرمت، وهو حال أَى قالوا مفترين أَو ذوى افتراء أَو لا يذكرون الله مفترين، اللهم إِلا على معنى لام العاقبة وعليه متعلق بافتراء ويخرج بالتعلق به عن أَن يكون مصدراً مؤكداً { سَيَجْزِيهِمْ } بالنار الدائمة { بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } على كونهم يفترون أَو على ما يفترونه أَو بسببه أَو بدله.