التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٥
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } حين تقرأ، استمع إِليه أُمية ابن خلف وأَخوه أَبى، والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة لعنهم الله، ومنهم أَبو سفيان بن حرب، إِلا أَنه أَسلم حين الفتح. اجتمعوا وقالوا للنضر، وكان أَعقلهم وأَقربهم للإِسلام، ومات كافرا: يا أَبا قتيلة، ما يقول محمد؟ فقال: ما أَدرى ما يقول، غير أَنى أَراه يحرك لسانه ويذكر أَساطير الأَولين، مثل ما كنت أَذكر لكم عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الإِخبار عنها، فقال أَبو سفيان: أَرى بعض ما يقول حقا، فقال أَبو جهل: كلا، لا نقر بشيءٍ من هذا، للموت أَحب إِلينا من هذا، روعى لفظ من فأَفرد الضمير لأَن المستمعين المرادين هنا قليل، كما أَفرد فى " { ومنهم من ينظر إِليك } " [يونس: 43] لقلة الناظرين إِلى المعجزات، وروعى معناها فجمع فى قوله " { ومنهم من يستمعون } "[يونس: 42] لأَن المراد الكفار كلهم { وَجَعَلْنَا } صيرنا أَو أَلقينا { عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } جمع كنان وهو ما يغطى الشئَ { أَنْ يَفْقَهُوهُ } متعلق بأَكنة لأَن المعنى، وجعلنا على قلوبهم مانعا عن أَن يفقهوه، أَى يفهموه، والهاء للقرآن المعلوم من قوله ليستمع { وَفِى آذانِهِمْ وَقْراً } معنى مانعا عن سماع القبول والتدبر تشبيها بثقل السمع حتى كأَنهم لم يسمعوا، والأَكنة والوقر عبارة عن الخذلان وهو ترك التوفيق، أَو عن أَن يحدث فى نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر والمعاصى واستقباح الإِيمان والطاعات لإِهمالهم عقولهم عن النظر، وذلك عقوبة لهم على اختيارهم الكفر وإهمال النظر، لكن هذا الاختيار مخلوق لله عز وجل، وليس ذلك الإِحداث وخلق الاختيار إِجباراً ولو كانا يتخيل أَنهما إِجبار لعجز عقولنا عن فهم ذلك، أَو نقول " { لا يسأَل عما يفعل } " [الأنبياء: 23] ولا حجة للكفار إِذ يقرون بالاختيار ضرورة ولو أَنكروه تارة، وأَسند الجعل والطبع والختم إِلى الله باعتبار خلقه الاختيار وترك التوفيق، والعقاب على الاختيار، والمعتزلة منعوا إِسناد ذلك إِلى الله، وقالوا: تمكن التقليد وإِهمال النظر فى قلوبهم حتى صارا كالطبيعة المسند خلقها إِلى الله عز وجل، والحق إِسناد ذلك إِلى الله عزوجل بمعنى خلقه، ولا مانع، ويسأَلون عن ذلك التمكن، فإِن قالوا بالطبع المجرد فذلك شرك، وهم يقولون بخلقهم أَفعالهم، وضلوا بذلك مع أَن التمكن ليس فعلا لهم { وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ } علامة مما يتلى وغير مايتلى من المعجزات على وحدانية الله تعالى ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وقال ابن عباس: المراد آيات القرآن، وقيل: التكوينية كانشقاق القمر ونبع الماء من بين الأَصابع وتكثير الماء والطعام القليلين، وخصصها بعض بغير الملجئة لئلا يناقض قوله تعالى، " { إِن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أَعناقهم } " [الشعراء: 4] قلت: الإِيمان عند الآية الملجئة غير الإِيمان الاختيارى { لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا } يكذبون بها ويقولون سحر وافتراء وأَساطير، أَو لا يؤمنون بسببها بالوحدانية والنبوة والرسالة، { حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ } حتى للابتداء، ولا تخلو عن معنى الغاية لأَنها تفريع، أَلا ترى أَن المتفرع ينتهى إِلى المفرع عليه، وبالعكس، فإِن عنادهم انتهى بهم إلى قولهم إِن هذا إِلا أَساطير الأَولين، ولو قلنا جارة خرجت إِذا عن الشرط والصدر ولم يكن لها جواب وهو وجه ضعيف { يُجَادِلُونَكَ } حال من الواو مقدرة، أَى ينازعونك نزاعاً شديداً، أَو الجدال لا يخلو عن شدة أَو نزاعاً شديداً، حتى كأَنهم يريدون أَن يلقوك على الجدالة وهى الأَرْض، وجواب إِذا هو قوله { يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا } إلخ، فيما قيل؛ واعتراض بأَن قول الذين كفروا هو نفس الجدال فلا فائدة إِلا أَن تؤول المجادلة بإِرادتها أَو بقصدها، والأَصل خلاف التأويل { إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ } كلمات كتبها الأَولون أَسطاراً تتلى عليك، أَو جواب إذا يجادلونك، ويقول الذين كفروا مستأَنف فى جواب سؤال مقدر، أَو بدل من يجادلونك، والمفرد أَسطورة - أَفعولة فيما يستعجب منه، كأَحدوثة وأَضروبة، وهو أَولى، ويليه أَنه جمع أَسطار،، وأَسطار جمع سطر، بفتح الطاء وإِسكانها، وقيل جمع أَسطورة أَو إِسطارة أَو إِسطير أَو أَسطور مفردات غير واردة، وقيل وردت فى كلام العرب ولا يصح ما قيل أَساطير جمع أَسطار جمع أَسطر، وأَسطر جمع سطر، لأن أَفعالا جمع للثلاثى لا للرباعى، ولا ما قيل أَنه اسم جمع لأَن نصوص النحاة أَن ما على صيغة منتهى الجمع يقال له جمع ولو لم يكن له مفرد من لفظة كعباديد وشماطيط.