التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ
٥٣
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أَى فتنا مثل الأَقرع بمثل عمار، والمراد ما تقدم لا مسأَلة أُخرى، كأَنه قيل فتنا بعضاً ببعض على الوصف المذكور فى الآية ضمناً، وإِنما أَعاده ليرتب عليه قوله { لِيَقُولُوا } تعليل أَو عاقبة لفتنا، سواء أَبقى على ظاهره وهو ابتلينا، أَو أَولناه بخذلنا، كما قيل أَنه لا يصح تعليلا إِلا على تضمين خذلنا، وواو يقولوا لنحو الأَقرع، أَى ليقول الأَكابر الأَغنياء، والتشبيه غير مراد على الحقيقة، وإِلا لزم تشبيه الشىء بنفسه، ومما يتخرج به عما هو ظاهر اللفظ من تشبيه الشىء بنفسه أَن يجعل المشبه به الأَمر المقرر فى العقول والشبه ما دل عليه الكلام من الأَمر الخارجى، أَو أَن يقال مثل ذلك الفتن العظيم فتنا بعض الناس ببعض غير من ذكر فى القصة من المؤمنين والكافرين، وذلك فى أَمر الدين، وأَن يقال: مثل ما فتنا الكفار بحسب غناهم وفقر المؤمنين حتى أَهانوهم فتناهم بحسب سبق المؤمنين إِلى الإِيمان وتخلفهم عنه حتى حسدوهم، ويجوز كون اللام بمعنى الباء ليكون مصدر يقول مع اللام بدل اشتمال من قوله ببعض { أَهؤُلاَءِ } منصوب المحل على الاشتغال، أَى اختار الله هؤلاء، أَو فضل هؤلاء، أَو مبتدأ خبره ما بعد، والنصب أَولى، لأَن طلب الهمزة للفعل أَولى من عدم الإِضمار، والمشار إِليه المؤمنون الموالى الضعفاء { مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } بالإِيمان والتوفيق لما يسعدهم دنيا وأُخرى، وامتازوا بالخير عنا، ما الذى يدعو إِليه محمد خيراً، لو كان خيراً ما سبقونا إِليه، أَأُلقى عليه الذكر من بيننا ونحن الأَشراف وهم سفلة، أَو اعترفوا بفضل المؤمنين الفقراء عليهم بالسبق إِلى الإِيمان لكن خافوا أَن يدخلوا فى الإِسلام فينقادوا لهم ويكونوا تبعاً لهم، وكأَنه قيل: أَننقاد إِلى ما تكون به تحتهم لسبقهم إِليه، ويجوز أَن يكون الفتن من الجهة المذكورة والجهة الأُخرى جميعاً، وهى أَن يقول المؤمنون الفقراء: كيف أَعطى الله هؤلاء القوم راحة ومسرة ومالا وطيب العيش مع أَنهم غير منقادين للإِسلام، ونحن منقادون له وقد بقينا فى ضيق المعيشة؟ والاستفهام إِنكار للياقة ما ذكر بعده، والله يفعل فى ملكه ما يشاء لا اعتراض عليه، والقوم بطروا واعترضوا، وهؤلاء المؤمنون صبروا وقت البلاء وشكروا وقت النعماء كما قال الله فى حقهم رداً على القوم، ومبينا لسبب تقديمهم وتفضيلهم { أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } بمن شكر واستمر على الشكر فيثيبه عليه، وبمن كفر واستمر فيعاقبه، أَو بمن يشكر لقضائه فيوفقه للشكر، وبمن قضى عليه بالكفر فيخذله.