التفاسير

< >
عرض

وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٧٠
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَذَرِ } اترك { الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً } صيروا دين الله الذى يجب أَن يتبعوه فيقال هو دينهم لعباً ولهوا، أَى كلعب ولهو، مستحقرين به، أَو اتخذوه أَمراً ملعوباً به، أَو جعلوا ابدله اللعب واللهو، واتخذوا لأَنفسهم ديناً يضاف إِليهم كلعب ولهو فى أَن لا نفع فيه كعادة الصنم وتحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى وشرب الخمر والرقص والزمر، وسائر ما دانوا به مما لا ينفع، بل يضر، أَو جعلوا دينهم أَى عيدهم الذى دانوه أَى اعتدوه وقتاً للعبادة لعباً ولهوا، وترك ذلك كله مأمور به قبل وجوب القتال وبعده فلا حاجة إِلى أَنه نهى عن القتال جاءَ نسخه بعد، والآية تهديد كقوله تعالى " { ذرنى ومن خلقت وحيداً } "[المدثر: 11] إِلخ.. وقوله تعالى " { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا } " [الحجر: 3] فإِنه صالح معها، أَى ذرهم فإِنى أَكفيكهم ولا تبال بأَقوالهم وأَفعالهم، ولا يضق قلبك، ولكن لا تترك الإِنذار والنهى { وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } لحلم الله عز وجل عنهم حتى اطمأَنوا إِليها، وتوهموا أَنهم على شىء مرضى عنده، وأَنهم عنده كرماء، وأَن ما عندهم من جاه ومال وصحة لكرامتهم على الله، حتى أَنكروا البعث وكل ما ينقص لهم من الحق ما هم عليه { وَذَكّرْ بِهِ } أَى بالقرآن الناس لظهور المراد ولو لم يجر له ذكر إِلا فى قوله فى آياتنا كقوله تعالى؛ { { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } [ق: 45]، أَو ذكر بالحساب أَو الدين { أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ } حذر أَن تبسل، أَى حذر أَى تمنع من خير الآخرة، وهذا أَولى من تقديرك لا تبسل، أَو هاء به لمبهم ففسره ببدله وهو أَن تبسل والبسل المنع، أَسد باسل يمنع فريسته عن غيره، ورجل باسل أَى شجاع يمتنع من قرنه، وهذا بسل أَى حرام ممنوع، أَو تبسل بمعنى تترك للهلاك، يقال أَبسله وبسله بالتخفيف منعه، أَو أَسلمه، أَو المسلم إِلى الهلاك ممنوع من النجاة، أَو تبسل ترهن، قيل أَو تفتضح، والمراد بالنفس الحقيقة، أَى عظ الناس بالقرآن لئلا يمنعوا من خير الآخرة، أَو لئلا يخذلوا إِلى شرها بما كسبوا، كما قال: { بِمَا كَسَبَتْ } من شرك أَو سائر الكبائر { لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ } من غير الله المبتدأ متعلق بمحذوف خبر ليس، ولها متعلق بليس، الصحيح جواز التعليق بباب كان، ودلالة بابها على الحدث، أَو يقدر أَعنى لها، أَو ذلك لها خبر، ومن دون الله حال من قوله { وَلِىٌّ وَلا شَفِيعٌ } ولو نكرتين لتقدمها ولتقدم النفى، أَى ثابتين من دون الله، أَى ليس لها أَحد يليها بالنصر، ولا أَحد يمنع عنها العذاب إِلا الله، والله يفعل ذلك للمتقين، أَو ليس لها من دون عذاب الله ولى ولا شفيع، والجملة مستأنفة، ويجوز أَن تكون حالا من نفس، لأَن المراد الحقيقة ولتقدم النفى بالخبر، أَو بتقدير لئلا، أَو من المستتر فى كسبت، وإِن قلنا: المراد بالنفس النفوس الكافرات لا مطلق النفس كما يدل له قوله عز وجل { أولئك الذين أبسلوا } بإِشارة الجمع قلنا مسوغ آخر هو النعت، ويدل له أَيضاً قوله { وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَ يُؤْخَذْ مِنْهَا } أَى وإِن تجعل هذه النفس شيئاً مثلها معادلا لها تفتدى به، ولو ما خلق الله كله ذهباً لا يقبل منها، وكل مفعول به وكل عدل ذات، وإِن جعلنا عرضاً كان مفعولا مطلقاً، أَى وإِن تفتد كل افتداء لا يؤخذ منها، فحينئذ يكون ضمير يؤخذ إِلى كل عدل على الاستخدام بأَن يراعى فى الضمير الذات، وهى التى تكون فداء، أَو لا ضمير فى يؤخذ على هذا بل نائب الفاعل هوقوله منها، أَو فيه ضمير عائد إِلى العدل بالمعنى المصدرى دون استخدام مبالغة { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } منعوا من رحمة الله، أَو أسلموا إِلى الهلاك، أَو رهنوا فى كسبهم الفاسد واعتقادهم الزائغ، والذين لفت أَو بيان أَو بدل أَو خبر، وجملة قوله { لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بَمَا كَانُوا يَكْفُرونَ } خبر أَول أَو ثان أَو حال من الواو، أَو من الذين مستأْنفة بياناً، ونحو كأَنه قيل: ماذا لهم حين أبسلوا؟ فقال: لهم شراب من حميم...إِلخ... واللام للاستحقاق، والحميم الحار جداً، والشراب المشروب كالطعام بمعنى المطعوم، ولا يقاس فعال بمعنى مفعول، وما مصدرية، أَى هم بين مغلى يتجرجر فى بطونهم، ونار تشتعل فى أَبدانهم، لكونهم يكفرون، وذلك تأَكيد لقوله{ أُولئك الذين } ولذلك فصل، أَعنى لم يعطف، ووجه كونه تأكيداً أَن مؤدى كل منهما لصوق العذاب بهم، وهو أَيضاً تفصيل له لأَنه موضح لمعناه.