التفاسير

< >
عرض

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
٧٩
-الأنعام

تيسير التفسير

{ إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً } هذه استعارة تمثيلية، شبه إِعراضه عن المعاصى والشرك ومالا نفع فيه واشتغاله بالطاعة والتوحيد وما فيه نفع بجعل الوجه مستقبلا لخالق السماوات والأَرض، وهو منزه عن الجهات، ومائلا عن سائر الجهات، واللام على أَصلها أَو بمعنى إِلى وجردها بقوله { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } بالله شيئاً، أَو ذلك استعارة بالكناية، وما أَنا من المشركين رمز إِلى المراد، وذلك حقيقة، أَى صرفت قصدى لعبادة الذى خلق السماوات والأَرض حنيفاً، أَى مائلا إِلى توحيده وعبادته خاصة، وإِنما احتج بالأَفول دون البزوغ مع أَن فى البزوغ ما فى الأفول من الدلالة على الحدوث بالحركة المنافية للربوبية، لأَن الأفول فيه دلالة على الحدوث بها وبالاحتجاب والغيبة، والبزوغ يدل على الحركة فقط، ولم يعتبر الاحتجاب الذى قبل البزوغ لأَن الاحتجاب يكون بعد الظهور، فلعله حدث البزوغ بدون احتجاب، أَو اقتصر على الأفول لأَنه أَول ما تحقق فى مناظرته، ولو كان البزوغ صالحاً أَيضاً للاستدلال فإِنه لا بد ظهور بعد خفاء ولو بوجود بعد عدم على أَن المعدوم خفى أَيضاً، بمعنى عدم ظهوره، والأفول أَعم. كان نمرود لعنه الله أَول من وضع التاج على رأْسه ودعا الناس إِلى عبادته، وأَخبره كهنته ومنجموه أَنه يولد فى هذه السنة فى بلدك من تهلك ويزول ملكك به، أَو رأَوا ذلك فى بعض كتب الأَنبياء، أَو رأَى فى السماء نجماً طالعاً مضيئاً مذهباً لضوء الشمس والقمر كله، ففزع وسأَل الكهان وأَمر بذبح كل غلام يولد فى ناحيته، وعزل الرجال عن النساء، وجعل على كل عشرة رجلا يمنعهم عن نسائهم، وإِذا حاضت خلاه، إِذ لا يجامعون فى الحيض وحبس الحبالى عنده إِلام أُم إِبراهيم فصغيرة لا تتهم بالحمل وخرج بالرجال إِلى العسكر تخوفاً عن الجماع فظهرت له حاجة لم يأمن عيها إِلا آزر فخلفه، فقال: أَنا أَشح بدينى فرجع فقضى حاجة نمرود، ودخل على زوجته لينظر إِليها فجامعها فحملت بإِبراهيم، فقال الكهان والمنجمون: إِن الغلام حمل به الليلة، فأَمر بذبح كل من ولد، ولما قربت ولادتها ذهبت إِلى نهر يابس، أَو مغارة فولدته ولفته فى خرقة ووضعته فى حلفاءَ، وأَخبرت زوجها بموضعه، وحفر له سرباً فى النهر وسد عليه، وسد عليه فى المغارة بصخرة، أَو سدت هى عليه فيها، وكانت تختلف عليه فتجده يمص من أصبع ماء ومن اصبع لبناً ومن آخر سمناً ومن آخر عسلا ومن آخر تمراً، وقيل: قالت لآزر: ولدت ولداً فمات، وصدقها، وكان يشب فى اليوم كالشهر، وفى الشهر كالسنة، ومكث فى الغار خمسة عشر شهراً، أَو سبع سنين، أَو ثلاث عشرة، أَو سبع عشرة سنة، وقال لأُمه: أَخرجينى فأَخرجته عشاء، فتفكر فى السماوات والأَرض والسماء والنجوم، فكان ما ذكر الله عز وجل عنه من قوله " { فلما جن عليه الليل } "[الأنعام: 76] إِلخ... ورجعت به إِلى أَبيه وقالت أَنه ابنه، وأَخبرته بما فعلت، ففرح، وقالت: إِنه الغلام الذى ذكر الكهنة، وقال: يا أُمى، من ربى؟ قالت: أَبوك. قال: فمن رب أَبى؟ قالت: اسكت، وقال لأَبيه: من ربى؟ قال: أمك. قال: من رب أمى؟ قال: أَنا. قال: من ربك؟ قال: نمرود. قال: من رب نمرود؟ فلطمه وقال: اسكت. وقيل: رأى الكوكب من خلل الصخرة، وقيل: قال لهما: أَخرجاني، فأَخرجاه فى مغيب الشمس، فرأَى الإِبل والخيل والغنم، فسأَل عنها أَباه، فقال: إِبل وخيل وغنم، وقال له ولأُمه: لا بد لهذه ولنا من خالق ورازق لا رب غيره، فرأَى المشترى قد طلع، وقيل الزهرة، من آخر الشهر آخر طلوع القمر، كذا قيل، وفيه أَنه لو كان كذلك لم يره آفلا، اللهم إِلا بتخصيص له.