التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ
١٤
-الصف

تيسير التفسير

{ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أنصَارَ اللهِ } لدين الله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأنصارا ولو كان نكرة فى الإِثبات لا دلالة لها على التبعيض بل تحصل العموم لها بكونوا، أى كونوا كلكم أنصار الله وأى تبعيض فى مطيعين من قولك: يا أيها المكلفون كونوا مطيعين لله عز وجل، وإِذا كانت للتبعيض كما قيل فأَين البعض الآخر؟ فإِن قيل من يأتى من المؤمنين بعد نزول الآية، قلنا من يأتى شملته الآية وإِن قيل البعض الآخر من تعنى لنصره من الملائكة بأَمر الله، ومن الجن قلنا أى حاجة إِلى ذلك مع عدم تبادره اللهم إِلا أن يقال لذلك حكمة هى تعظيمه بأَن له - صلى الله عليه وسلم - أنصارا وربما تقوى التبعيض بالتشبيه فى قوله عز وجل: { كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أنصَارُ اللهِ } فإِنه ظاهر فى التبعيض ولو غير راغب عن الكل، والحواريون من مادة الحوار وهو البياض، سموا لأَنهم كانوا يغسلون ثياب الناس ويبيضونها أو للبسهم البياض، وقيل لنقاء قلوبهم وجوارحهم من الذنوب أو لأَنهم يغسلون نفوس الناس بالعلم وقيل الحواريون المجاهدون، وقيل الحوارى الخاصة الناصر من الأَصحاب. كما قيل فى قوله - صلى الله عليه وسلم - "لكل نبي حواري وحواريي الزبير" ، وقيل الحوارى الذى أخلص ونقى من كل عيب".
وفى بعض الأَخبار لقومنا أن الحواريين كلهم من قريش: أبو بكر وعمر وعلى وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وعثمان بن عفان وطلحة ابن عبيد الله والزبير، والكاف تدل على تقدير القول قبل يا أيها الذين آمنوا. أى قل يا محمد لقومك الذين آمنوا يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى، ويجوز أن لا يقدر القول فيكون مستأنفا من الله عز وجل، ويبحث بأَن الظاهر تشبيه القول بالقول كما مر من تقدير القول، ويجاب بأَنه لا بأس بتشبيه الكون أنصار الله بقول عيسى لتضمن قوله طلب النصرة ويجوز تقدير قول من الله عز وجل لا مِنَ النبى - صلى الله عليه وسلم. أى قلنا للمؤمنين من أُمة محمد يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى للحواريين: من أنصارى إِلى الله، فإِما أن يكون هذا القول المقدر عن الله إِنشاء، وإِما أن يكون إِخبارا عن قول متقدم وهو كل كلام فيه أمر باتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و (ما) مصدرية أما على عدم تقدير القول فالمعنى كونوا أنصار الله كونا ثابتا كمضمون قول عيسى من أنصارى وعلى تقديره: قل يا محمد أو قلنا قولا ثابتا كقول عيسى، وتكلف من جعل (ما) مصدرية والمصدر ظرف وجعل الآية على الحذف هكذا كونوا أنصار الله وقت قولى لكم ككون الحواريين أنصارا وقت قول عيسى لهم واختصره الله عز وجل بقولك كونوا أنصاره كوقت قول عيسى. والآية احتباك بحذف من كل كلام ما ثبت فى الآخر، أى كونوا أنصار الله حين قال لكم النبى من أنصارى إِلى الله كما كان الحواريون أنصار الله حين قال لهم عيسى من أنصارى إِلى الله، وهذا ولو كان حسنا لا دليل عليه فلا يفسر به لتكلف الحذف وصحة الكلام بدونه ولا سيما وقد تغير معنى الآية فإِنه ليس فيها أن الحواريين كانوا أنصارا، بل فيها دعواهم أنهم أنصار، ولو ذكر بعد ذلك أن طائفة آمنت وإِيمانها نصره عليه السلام، كما قال الله عز وجل { فَآمَنَت طَّائِفَةٌ } بعيسى { مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت } به { طَّائِفَةٌ } أُخرى منهم { فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا } به { عَلَى عَدُوِّهِمْ } وهم من كفر به، قيل إِلى متعلق بحال محذوفة جوازا كون خاص، أى متوجها إِلى نصرة الله بتقدير مضاف كما رأيت فيناسب قوله نحن أنصار الله، وصح الحال من المضاف إِليه لأَن المضاف وصف يصلح للعمل فإِن أنصار جمع ناصر أو إِلى بمعنى مع فيقدر مضاف أى نحن أنصار نبى الله فحصل التناسب أيضا { فَأَصْبَحُوا } أى الذين أيدهم الله أى نصرهم { ظَاهِرِينَ } غالبين بالحجة والبرهان وهم اثنا عشر رجلا وقيل أتباعهم بعدهم كما يدل له قوله من بنى إِسرائيل أرسل بعضا إِلى رومية وبعضا إِلى بابل وبعضا إِلى أفريقية وبعضا إِلى أفسس وبعضا إِلى بيت المقدس وبعضا إِلى الحجاز وبعضا إِلى البربر وما حولها، وقيل غالبين بالسيف.
وعلى هذا المراد الأَتباع فإِن الطائفة المحقة بعد رفعه إلى السماء داموا على قولهم أنه عبد الله ورسوله والطائفة الكافرة قال بعضها إِنه الله رجع إِلى السماء بعد هبوطه منها، وبعضها أنه ابن الله رفعه الله إِليه وقاتلتها الطائفة المؤمنة وغلبتها، والقتال ولو لم يكن فى دين عيسى لكن بدأت الكافرتان القتال فقاتلتهما المؤمنة دفعا عن نفسها وقيل غلبتها الكافرتان بالسيف إِلى زمان بعثه - صلى الله عليه وسلم - فغلبتهما المؤمنة وقيل آمنت طائفة بالنبى - صلى الله عليه وسلم - إِذ بعث وكفرت به أُخرى فأَيدنا المؤمنة على الكافرة به بتصديقهم على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عيسى عبد الله ورسوله وهو خلاف الظاهر والله أعلم.