التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٢
كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ
٤
-الصف

تيسير التفسير

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قال عبد الله بن سلام قعدنا نفراً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتذاكرنا لو علمنا أى الأعمال أحب إِلى الله تعالى لعملناه فأنزل الله سبحانه { سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } فقرأها علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ختمها، رواه الترمذى. وروى أن المؤمنين قالوا لو علمنا أحب الأعمال إِلى الله تعالى لعملناه وبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فنزل: إن الله يحب الذين يقاتلون، ونزل هل أدلكم على تجارة.. الخ، فابتلوا فى أُحُد فولوا مدبرين وكرهوا الموت فنزل لم تقولون ما لا تفعلون.
وقيل لما أخبر الله تعالى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثواب أهل بدر، قالت الصحابة: لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أُحُد فعيرهم الله تعالى بهذه الآية. وعن الضحاك أن شباباً من المسلمين يقولون فعلنا فى الغزو كذا ولم يفعلوا، وقيل كان الرجل يقول قاتلت ولم يقاتل وأطعمت ولم يطعم وضربت ولم يضرب. وقيل إِنه قول المنافقين نحن منكم ومعكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك وعليه فنداؤهم بيا أيها الذين آمنوا تهكم بهم والمعنى لأى شئ تثبتون لأنفسكم بألسنتكم فعل ما لم تفعلوا من الخير والمعروف والاستفهام توبيخ، ومدار التوبيخ القول كما هو الظاهر إِذ لم يصدقوا فيه لا على عدم فعلهم لأنهم يذكرون أفعالا غير واجبة عليهم بعينها ولا متعينة الوجوب بأعيانها، وإِنما الواجب الجهاد كيفما اتفق. وهذا خلاف ما قال بعض، إِن مدار التوبيخ فى الحقيقة عدم فعلهم وإِنما وجه على قولهم تنبيهاً على تضاعف معصيتهم ببيان أن المنكر ليس ترك الخير الموعود فقط، بل الوعد أيضاً وقد كانوا يحسبونه معروفاً ولو سلط التوبيخ على الفعل، فقيل لم لا تفعلون ما تقولون لفهم أن المنكر إِخلاف الوعد والصحيح ما ذكرت وعن إبراهيم النخعى أكره القص لثلاث آيات، قوله تعالى:
{ { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } [البقرة: 44]. وقوله تعالى: { { وما أريد أن أخالفكم إِلى ما أنهاكم عنه } [هود: 88]، وقوله تعالى: { لم تقولون ما لا تفعلون } إِلخ. وينبغى لمن أراد الوعظ بفضل شئ أو غيره أن يعمل به قبل، لتقبله القلوب، ولئلا يدخل فى هؤلاء الآيات الثلاث.
قيل لبعض السلف حدثنا فقال: أتأمروننى أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله. { كَبُرَ } فيه ضمير مفسر بقوله تعالى { مَقْتًا } بالنصب على التمييز والمخصوص بالذم المصدر من قوله تعالى { عِنْدَ اللهِ أن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ } أو هذا فاعل والمخصوص محذوف أى قولكم كذا وكذا والمقت أشد البغض. وإِذا كان ذلك كبيراً وجبت مجانبته، فكيف وهو أكبر وأشد وقيل المقت البغض من أجل ذنب أو ريبة أو دناءة يصنعها إِنسان.
وقال المبرد رجل ممقوت يبغضه كل أحد، قيل لبعض السلف حدثنا فسكت. فقيل له حدثنا فقال: وما تأمروننى أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله عز وجل، وبعد النهى عما يبغض من إِثبات فعل ما لم يثبت ذكر ما هو محبوب عند الله تعالى بقوله { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ } أعداء الله تعالى { فِى سبِيلِهِ صَفًّا } حال أى صافين أنفسهم أو مصفوفين كصفوف الصلاة لا خلل فيها، وهذا ظاهر فى القتال على الأرجل لكن لا مانع من أن يصطف فارس مع الرجال على فرسه. بل فى كتب الفقه أن السارية ونحوها لا تقطعان الصف فى الصلاة وأيضاً يمكن اصطفاف الفرسان على حدة أو فى جانب والرجال على حدة لا زالت صفوف الإِسلام منصورة وصفوف الكفر مختلة مقهورة { كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرصُوصٌ } إخبار باللائق وبالشبه لا إِنشاء للتشبيه فصح ان يكون حالا ولو كان إِنشاء لم يصح أن يكون حالا، وما ذلك إِلا كالتشبيه بالكاف إِلا أنه أقوى من التشبيه بالكاف، وصاحب الحال الضمير المستتر فى صفا، إشذ كان بمعنى صافين أو حال ثانية من الذين أو الواو قيل: أو نعت لصفا، وفيه أنه بمنزلة اسم الفاعل أو المفعول كما رأيت فلا يحسن أن يكون منعوتا، والمرصوص المعقود بالرصاص، والمراد المحكم ويقال رصصت البناء ضممت أجزاءه حتى كأَنه قطعة واحدة، وقيل المراد استواء نياتهم فى الثبات واجتماع الكلمة والإِخلاص.