التفاسير

< >
عرض

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
١
هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢
-الجمعة

تيسير التفسير

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. يُسَبَّحُ للهِ } تسبيحاً مستمراً فالمضارع للتجدد { مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } الظروف فيهما وأجزاؤهما { الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } مر تفسير ذلك { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ } العرب القرويين والبدويين نسب إِلى الأُم الوالدة كأَنهم بعد ما بلغوا وتقووا ولدوا فى الحين بحيث لا يعرفون الكتابة لا يقرءُون المكتوب ولا يكتبون ولا يعرفون الحساب إِلا قليلا، وكذلك من استغرق فى العلوم العربية يعالج الحساب علاجا ولو كان عجميا.
قال ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
"إِنا أُمة لا نكتب ولا نحسب" . رواه البخارى ومسلم وغيرهما وقيل نسب إِلى أُمة العرب أى بعث فى الأُمة المعهودة بأَنها لا تكتب ولا تحسب فهو أنسب بقومه الذين بعث هو منهم فلا يقال يأخذ من الكتب ما يقول أنه أوحى إِليه أو يستعين بها وكذا يسمى أُميا فى كتب الأَنبياء وقيل إِلى أُم القرى وهى مكة، والصحيح الأَول المشهور واقتصر بعضهم فى تفسيره على أنه الذى لا يكتب ويقال بدأت كتابة العرب وهى قليلة أخذوها من أهل الحيرة، وأهل الحيرة أخذوها من الأَنبار وأشكال حروفهم أحسن الأَشكال، وأقبح الخط حروف النصارى ومن معهم إِلا حروف كتبهم فأَشكالها حسنة وقيل الأُميون من ليس من أهل الكتاب، كما عم الكتابيون فى قولهم ليس علينا فى الأُميين سبيل كل من ليس منهم ووجهه أنه من ليس له كتاب لا يعتنى بالكتابة، فشملت الآية العرب والفرس وسائر العجم.
{ رَسُولاً مِّنْهُمْ } هو متعلق بمحذوف نعت لرسولا أو يبعث وعلى كل حال يفيد أنه - صلى الله عليه وسلم - أُمى سواء جعلنا من للابتداء كما يتبادر من تعليقها ببعث أو للتبعيض فإِن من كان مبعوثا من الأُميين أُمى، ومن ثبتت رسالته منهم أُمى، وذلك أن هاء منهم عائدة إِلى الأُميين، لا كما قيل إِن جعلت تبعيضية والبعضية باعتبار الجنس فلا تدل الآية على أنه أُمى، وباعتبار الخاصة المشتركة تدل لأَنا نقول الجنس موصوف بالأُمية.
{ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } مع كونه أُميا مثلهم لم يعاشر من يكتب من العجم أو غيرهم، ولم تعهد قراءته ولا تعلمه ومع ذلك أخبرهم بما فى التوراة والإِنجيل فبان أنه نبى - صلى الله عليه وسلم - وآياته ما نزل إِليه من القرآن الدال على الحلال والحرام والمواعظ والقصص، وقيل دلائل نبوته والهاء لله تعالى أو له - صلى الله عليه وسلم - { وَيُزَكِّيهِمْ } يسعى فى تحصيل طهارتهم من خبائث الاعتقاد والقول والفعل { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ } ألفاظ القرآن ويتبعها ما يفهمون من معانيها وقيل الكتاب الفرائض. { وَالْحِكْمَةَ } السنة الموحاة وما يؤدى إِليه اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - المستند إِليهما على الصحيح وهو أنه قد يجتهد أو الحكمة معانى القرآن وغيرها ووسط بين التلاوة وبينهما ذكر التزكية مع تقدمهم فى الوجود إِشعارا بأَن كلا من التلاوة والحكمة وتعليم الكتاب نعمة على حدة ولو لم يوسط التزكية لربما توهم أنهن نعمة واحدة، ولا تكرير بين التلاوة وتعليم الكتاب لأَنها مجرد التبليغ والتعليم معالجة أن يحفظوا ألفاظ القرآن والتعليم مترتب فى الوجود على التلاوة والتزكية عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العلمية وتهذيبها يتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية ويعتبر تارة بالقرآن وتارة بالكتاب وتارة بالآيات وتارة بالذكر مراعاة لمفهوماتها وجوز كون الكتاب كناية عن جميع النقليات والحكمة كناية عن جميع العقليات كالتعبير بالسماوات والأَرض عن جميع الموجودات وبالمهاجرين والأَنصار عن جميع الصحابة كما تذكر أئمة الصلاة فى مضاب فى أدعيتهم المهاجرين والأَنصار ويحصل فى أذهانهم العموم فيما أظن.
{ وَإِنْ كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } من خبث الإِشراك وما دونه من المعاصى والمكروهات الكراهة الشديدة وسوء الأَدب فهم محتاجون جدا إِلى ما يزيل عنهم ذلك الخبث والكلام فى أصحاب الشرك فلا حاجة إِلى أن نقول المراد فى الآية الأَكثر وأنه لا يرد إِسلام ورقة ابن نوفل ونحوه على قول إِسلامه، وإِن مخففة من الثقيلة واللام للفرق بين النفى والإِثبات.