التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٤
مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٥
قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٦
-الجمعة

تيسير التفسير

{ ذَلِكَ } المذكور العالى الشأن من بعث الله ورسوله. صلى الله عليه وسلم فى الأُميين وتعليمه وتزكيته وقيل النبوة، قلت: أو كل ذلك { فَضْلُ اللهِ } إِحسانه جل شأنه.
{ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } وليس لغيره صلى الله عليه وسلم وغير أُمته، وإِذا نزل عيسى عليه السلام جرى على القرآن والسنة، ومنها حينئذ أن لا تقبل جزية والجملة مستأنفة أو خبر ثان أو حال من فضل. { وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } على الإِطلاق هذا الفضل وغيره. { مَثَلُ } أى صفة { الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ } اليهود الذين علمهم الله التوراة وجعلهم حاملين لها بالقراءة والحفظ والكتابة { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } لم يعملوا بها، لم يحملوها حمل عمل بل حمل رواية وفيها رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وصفاته وأسقطوها وغيروها، أو من الحمالة وهى الضمانة أى ألزمهم أن يتكلفوا بها { كَمَثَلِ الْحِمَارِ } جنس الحمار كصفة الحمار { يَحْمِلُ أسْفَارَاً } كتبا عظام الشأن والصورة، كما يدل عليه التنكير لم يعرفوا للتوراة حقا ولا انتفعوا بها كما هو شأن الحمار، وكأَنهم لا يحتاجون إِليها واختار لفظ أسفار تنبيها على أنها كتب تسفر بالحق وتوضحه، والجملة نعت الحمار ولو كان معرفة لشبهه بالنكرة لأَن تعريفه جنسى، وإِن جعلت حالا لم يوجد عامل فى الحال لأَن مثل بمعنى صفة فنكلف بجعل الكاف زائد لتأكيد التشبيه، وجعل مثل فى الموضعين بمعنى مماثل، فيصلح للعمل فى الحال، ونسب الإِمام أبو حيان وجوب الحالية للمحققين مراعاة للفظ المعرفة.
{ بِئْسَ } أى هو أى ذلك المثل المذكور والمخصوص بالذم هو قوله عز وجل. { مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ } أى القرآن وقيل القرآن ومحمد - صلى الله عليه وسلم - وقيل التوراة كذب اليهود بها إِذ لم يؤمنوا بما فيها من محمد - صلى الله عليه وسلم - وصفاته، واستتار فاعل باب نعم بلا تمييز جائز، ودعوى أن هناك تمييزا مفسر للمستتر بعيد، كيف يكون المحذوف مفسرا لما لم يذكر { واللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } هذا عموم يشمل المذكورين بالأَولى لأَن الكلام عليهم أو هم المراد لم يضمر لهم ليصفهم بالظلم الموجب للخزى.
قال ميمون بن مهران: يا أهل القرآن اتبعوا القرآن قبل أن يتبعكم ثم قرأ الآية.
{ قُلْ يَا أيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا } انتسبوا إِلى اسم اليهود أو إِلى يهوذا بن يعقوب بأَلف بعد ذال معجمة حذفت وأُبدلت الذال دالا مهملة. { إِنْ زَعَمْتُمْ أنَّكُمْ أوْلِيَاءُ } أحباءُ كما يقولون نحن أبناءُ الله وأحباؤه، ولن يدخل الجنة إِلا من كان هودا { للهِ } لم يضف فرقا بين مدعى الولاية بلا تحقيق وبين من ثبتت له كقوله تعالى: أَلا أن أولياء الله { مِن دُونِ النَّاسِ } سائر الناس متعلق بمحذوف خال من ضمير الاستقرار { فَتَمَنَّوُا } من الله عز وجل { الْمَوْتَ } لكم بأَن يميتكم لتلقوا حبيبكم ويثيبكم وتنتقلوا من دار الكدر إِلى دار الصفاء. { إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ } فى دعوى أنكم أولياء الله عز وجل ولما ظهرت رسالة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كتب يهود المدينة إِلى يهود خيبر إِن اتبعتم محمدا أطعناه، وإِن خالفتموه خالفناه، فقالوا نحن أبناء خليل الرحمن ومنا عزير ابن الله والأَنبياء، وفى أى زمان كانت النبوة فى العرب نحن أحق بالنبوة من محمد ولا سبيل إِلى اتباعه فنزل قوله تعالى: { قل يا أيها الذين هادوا } الآية، وإِن قلت تحقق عند الله أنهم زعموا فما وجه (إِن) الشكية، قلت: وجهها أن زعمهم أمر باطل بعيد حتى كأَنه مما يشك فيه هل وقع.