التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ
١
ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ
٣
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
٤
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ
٥
-المنافقون

تيسير التفسير

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إِذَا جَاءَكَ } حضر مجلسك عبر عن الحضور بالمجئ لأَن الحضور مسبب عن المجئ ولازم له اللزوم البيانى { الْمُنَافِقُونَ } عبد الله بن أُبى ابن سلول وأصحابه بإِثبات ألف ابن الثانى لأَنه ليس تابعا لأُبى بل لعبد الله. { قَالُوا نَشْهَدُ } من قلوبنا شهادة صادقة { إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ } إِلينا وإِلى الناس كلهم أكدوا بالشهادة المنزلة منزلة القسم وبالجملة الاسمية بعدها وبإِن وباللام فى خبرها وذلك من لازم الفائدة، لأَن المراد إِعلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأَنهم عالمون برسالته { وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } حقا فى نفس الأَمر كما نطقت به ألسنتهم، ولم توافق قلوبهم وحق عليهم أن توافق وأكد بالعلم الجارى مجرى القسم وإِن والاسمية واللام واعترض بهذه الجملة الحالية بين قالوا نشهد إِلخ. وقوله عز وجل { وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } لئلا يكون اللفظ على صورة تكذيب ما أثبتوا من الرسالة أو يتوهم متوهم ما هذا التكذيب والمعنى والله يشهد إِن المنافقين كاذبون فى قولهم إِنا شهدنا من قلوبنا أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والشهادة فى كلامهم ليست مطلق إخبار محتمل للصدق بل الإِيقان، ولفظ نشهد ونحوه من الأَفعال والأَسماء يفهم منه موافقة القلب وهكذا وضع فى اللغة فتكذيب الله إِياهم راجع إِلى مضمون هذا اللفظ وهو موافقة القلب وإِلى ما قصدوه من دعوى الموافقة، ويجوز أن يكون المعنى أن المنافقين شأنهم الكذب وإن صدقوا فى قولهم هذا بحسب ما فى نفس الأَمر من ثبوت الرسالة، ولا دليل للنظام فى الآية على قوله الصدق مطابقة الاعتقاد للفظ، ولو كان الاعتقاد خطاء والكذب عدمها، ويجوز أن يكون تكذيب الله عز وجل لهم فى دعواهم أنهم قالوه كذبا عندهم بمعنى كاذبون فى دعوى أن قولهم كذب، إِذ قولهم ذلك حق فى نفس الأَمر ولو لم يذعنوا إِلى أنه حق فى نفس الأَمر وأجاز بعض المحققين أن يكون تكذيب الله إِياهم راجعا إِلى حلفهم، والله ما قلنا لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وما قلنا لئن رجعنا إِلى المدينة الخ سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأَن الحارث بن أبى ضرار منهم وهو أبو جويرة زوج النبى - صلى الله عليه وسلم - يجمع الناس لحربه - صلى الله عليه وسلم - فخرج - صلى الله عليه وسلم - إِليهم فلقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسع من ناحية قديد إِلى الساحل فهزمهم وقتل منهم فسباهم وازدحم جهجاه بن سعيد الغفارى أجير عمر قائد فرسه مع سنان بن وبر الجهنى حليف بنى عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ يا معشر الأَنصار وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين، وأعانه رجل فقير من المهاجرين اسمه جندل، فقال له عبد الله بن أُبى وإِنك لهناك. فقال: وما يمنعنى فغضب عبد الله بن أُبى فقال نافرونا وكاثرونا فى بلادنا.
قال زيد بن أرقم كنت فى غزاة يعنى غزوة بنى المصطلق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعت عبد الله بن أبىّ ابن سلول يقول لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ولئن رجعنا إِلى المدينة ليخرجن الأَعز منها الأَذل. فقلت: أنت والله الأَذل المبغض ورسول الله الكثير الأَعز عند الله تعالى والمؤمنين. فقال له عبد الله اسكت كنت ألعب فذكرت ذلك لعمى وذكره لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعانى فحدثته فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أُبى وأصحابه، فحلفوا أنهم ما قالوا فكذبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدقه، فأَصابنى هم لم يصبنى قط مثله فجلست فى البيت، فقال لى عمى ما أردت إِلى أن كذبك وفى لفظ إِلا أن كذبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومقتك فأَنزل الله تعالى: إِذا جاءك المنافقون فبعث إِلىَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقال: إِن الله صدقك يا زيد، رواه البخارى.
وفى رواية فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستغفر لهم فلووا رءُوسهم، أى كما يجئ فى الآية. ويروى
" "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأَسيد بن حضير أبلغك ما ذكر عن ابن عمك عبد الله بن أُبي؟ فقال يا رسول الله أنت والله الأَعز المخرج له وهو الأَذل أرفق به يا رسول الله جئت المدينة وقومه ينظمون له تاج الرياسة، ويرى أنك سلبته ذلك. وقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنقه فقال - صلى الله عليه وسلم - يتحدث الناس أني أقتل أصحابي وقال عبد الله بن عبد الله بن أُبي دعني أقتله يا رسول الله إِن أردت قتله وأحمل إِليك رأسه وإِني أبر به من كل من أبر أباه في المدينة، وأخاف إِن قتله غيري أقتله فأَكون قد قتلت مؤمناً، وقال أحسن به ما حيى ولما أراد دخول المدينة قال لا تدخلها حتى يأَذن لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتعلم من الأَعز فشكاه إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: دعه يدخل" .
وفى البخارى ومسلم أنه كسع رجل لعاب أنصاريا فغضب وقال يا للأَنصار ودعا لعاب يا للمهاجرين. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بال دعوى الجاهلية فأَخبر بالكسعة فقال دعوها فإِنها خبيثة يعنى اللعبة أو دعوى الجاهلية أو الكسعة وقال ابن أُبى لئن رجعنا إِلى المدينة إِلى آخر القصة المذكورة، فنقول لعل القصة والآية فى شأن ذلك اللعاب وجهجاه معا وعلى كل حال لما قيل ذلك عن ابن أُبى واضطرب الناس تعجل الرحيل فرحل حيث لا يرحل ليسكن الأَمر. والآية نزلت فى قوله ليخرجن الأَعز الخ. وقوله لا تنفقوا الخ. وقوله طرنا كما قيل سمن كلبك يأكلك، ويروى أن ريحاً هاجت شديدة فقال: هاجت لرفاعة بن زيد مات بالمدينة من اليهود وهو كهف للمنافقين وقد ضلت ناقته - صلى الله عليه وسلم - ولم يدر أين ناقته فقال منافق لم يدر أين ناقته فكيف يدعى معرفة من فى المدينة فقال لا أعلم إِلا ما أعلمنى ربى، ناقتى فى شعب كذا أمسكها شجر برسنها، فوجدوها كذلك فتاب المنافق وأصلح، ولما وصلوا المدينة وجدوا رفاعة ميتا فى ذلك الوقت كما قال - صلى الله عليه وسلم - ومقتضى الظاهر أنهم يكذبون وأظهر ليصفهم بالنفاق ذما وإِشعارا بعلة الحكم، وإِذا كان ذلك مرة واحدة مضت فما معنى قوله عز وجل: إِذا جاءك الخ. المشعر بالتكرير والاستقبال الجواب، إِن الفتح لهذه المرة الواحدة فتح لتكررها فحصل التكرر والاستقبال حكما، وكأَنه قيل من شأنهم أن يتكرر منهم هذا { اتَّخَذُوا أيْمَانَهُمْ } حلفانهم { جُنَّة } سترة وحصنا عن أن يؤاخذوا بالقتل والسبى والذم وأخذ أموالهم وعن أن يترك الصلاة عليهم إِذا ماتوا ولا بعد فى هذا كما قيل لأَن لهم استحياء عما يذمون به ولا سيما مالا يجبر بعد الموت ويحبون الستر كلما ظهر منهم كلام سوء حلفوا ما قالوا لئلا يفعل بهم ذلك، وذلك على العموم ويجوز أن يراد بأَيمانهم شهادتهم السابقة، وقد علمت أن الشهادة تستعمل بمعنى اليمين وكذا العلم وما يجرى مجرى ذلك فى مقام التأكيد فيجاب بما يجاب القسم لكن لا كفارة بالحنث فيه لأَن الحالف بذلك أراد التأكيد لا حقيقة الحلف وعليه فجمع اليمين لأَن عبد الله حلف وأصحابه حلفوا وهب أنه وحده حلف لكن أصحابه تبع له وراضون بحلفه، وذلك كله باعتبار ما مضى ويجوز أن يكون المعنى هيئوا لما بعد لأَنفسهم أنه كلما ظهر منهم سوء يحلفون أنهم ما فعلوه.
{ فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ } منعوا كل من أراد الإِيمان أو من أراد الطاعة ما استطاعوا فالفعل متعدٍ أو أعرضوا عن الإيمان والطاعة فالفعل لازم { إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ساء هو أى العمل والمخصوص ما كانوا يعملون أى كونهم يعملون وما مصدرية، أو ساء هو أى المعمول والمخصوص ما كانوا يعملون وما اسم موصول أو نكرة موصوفة. وعندى لا مانع من الإِتيان بفاعل باب نعم بلا إِضمار ولا تمييز ولا مخصوص { ذَلِكَ } ما ذكر من سوء عملهم والصد عن السبيل واتخاذ أيمانهم جنة ونفاقهم بإِثبات الرسالة نطقا لا اعتقادا { بِأَنَّهُمْ } بسبب أنهم { آمَنُوا } نطقا لا اعتقادا { ثُمَّ كَفَرُوا } ظهر كفرهم أى شركهم لنطقهم بما يصرح أنه لا إِيمان فى قلوبهم كقولهم لئن كان ما يقول محمد حقا لنحن أسوأ من الحمير وقولهم فى غزوة تبوك أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر وأن يفتح الروم والشام فى قلة من أصحابه وأعوانه وقلة من ماله وقد أخرجه قومه من بلده وصدوه عن الحج وقد يتمنى الإِنسان أن يكون على عهده - صلى الله عليه وسلم - وهو غفلة عظيمة وليس كل من على عهده مؤمنا، فلعله يكون على عهده فيكون كأَبى جهل أو كعبد الله بن أُبى ولا سيما من رأى فى نفسه قسوة وعناداً عن الحق ولحظ نفسه و (ثم) للتراخى الزمانى لأَنه ما ظهر إِشراكهم الباطن إِلا بعد مدة من شهادتهم على الرسالة باللسان أو للتراخى الرتبى لبعد التلفظ بالشهادة عن اعتقاد الشرك وكذا إِن كان المعنى آمنوا عند المؤمنين وأسروا الكفر عند أصحابهم والفصل بغير المعهود تراخ ولو لم يطل وإِن كان معنى ثم كفروا ثم أسروا الكفر فللتراخى الرتبى ولا يصح ما قيل إِن الآية فى أهل الردة لأَن الكلام قيل فى المنافقين إِلا إِن ذكر اسم الإِشارة عقب ذلك بلا فصل ولا وجود شئ يشار إِليه غير حالهم وكذلك الكلام بعد فى المنافقين { فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ } غطى عليها حتى يموتوا على الكفر { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } حقيقة الإِيمان فلا يرغبون فيه ولا سيما أنه مناف لما هو حالهم.
{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجْسَامُهُمْ } لتعهدهم لها بالتنظيف والتنعم بالأَكل والشرب للمستلذات والراحة والجاه فى قومهم { وَإِن يَقُولُوا } كلاما أى كلام فالحذف للعموم أو المعنى إِن صدر منهم قول فلا مفعول له { تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } يعجبك قولهم وتستحسنه والإِعجاب والاستحسان سبب للإِصغاء والاستماع، فعبر بالمسبب واللازم فإِن الاستماع مترتب على الحسن، وتسمع بمعنى تستمع ولذلك كان باللام كأَنه قيل تصغ لقولهم ويجوز أن يكون بمعنى تقبل يقال تكلم وما سمعت كلامه، أى لم أقبله وتكلم وسمعت كلامه قبلته، يدل على ذلك دليل لكن تكون اللام زائدة على هذا الوجه والخطاب للنبى - صلى الله عليه وسلم - كما أنه له فى قوله إِذا جاءك الخ. ولأَن الأَصل فى المخاطب التعيين ولأَن استحسانه - صلى الله عليه وسلم - لقولهم يثبت استحسان غيره له بالأَولى والمراد بقولهم قولهم فى المباحات والحيل ونحوها فيعجبه ذلك مع فصاحتهم وبلاغتهم وحلاوة ألسنتهم وهنا تم الكلام واستأنف لذمهم قوله تعالى { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ } جمع خشبة بفتح الخاء والسين كتمرة وتمر والمراد مطلق الخشب، خشب النخل أو الشجر، وقيل الجملة حال من هاء قولهم ولا بأس ولا نسلم أن الحالية تفيد تعليل سماع قولهم بكونهم كالخشب المسندة مع أنه ليس كذلك فإِنك إِذا قلت مررت بزيد راكبا، لم يفهم عاقل أن الركوب علة للمرور { مُسنَّدَةٌ } إِلى نحو حائط ووجه الشبه الخلو من الفائدة لأَنه لا إِيمان فى قلوبهم، لا نفع فيهم للإِيمان، وذلك حالهم فى كل موضع قعدوا فيه ولا يختص كونهم فى مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإِنما كونهم واقعة حال وفرض المسأَلة ووصف الخشبة بالمسندة لأَن التى فى السقف والمركوز لشئ والمجعولة سارية ومعلاقا أو ركب سرير أو سفينة أو جعل آلة لعمل أو كانت شجرة مثمرة أو نحو ذلك فيها فائدة، وقيل المراد بالخشب المسندة الأَصنام المنحوتة من الخشب { يَحْسَبُونَ } لشدة جبنهم { كُلَّ صَيْحَةٍ } كصوت من ينشد ضالة وصوت المتقاتلين وصوت من يستغيث إِذا لم يتحققوا ذلك. { عَلَيْهِمْ } مفعول ثان ليحسب أى ثابتة عليهم أو يقدر كون خاص، أى واقعة عليهم وذلك كما قال المتنبى:

وضاقت الأَرض حتى صار هاربهم إِذا رأى غير شئ ظنه رجلا

وقال جرير وهو إِسلامى يخاطب الأَخطل وهو نصرانى لعنه الله:

ما زلت تحسب كل شئ بعدهم خيلا تكر عليهم ورجالا

وقيل إِذا سمعوا صيحة ظنوا أنه فى شأن وحى يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم وسبيهم والوقف على عليهم وهو وقف تام وزعم بعض أنه يجوز أن يكون عليهم متعلقا بصيحة وقوله { هُمُ الْعَدُوُّ } مفعول ثان ولا يصح إِلا برد قوله هم إِلى الصيحة، وتجعله فى مقام هو على أنه عائد إِلى كل أو فى مقام هى العائد إِلى الصيحة وبدعوى أنه جمع مراعاة للخبر وأنه كان ضمير العقلاء مراعاة له أيضا، وذلك تكلف لا نحتاج إِليه وأيضا لا يناسبه قوله تعالى { فَاحْذَرْهُمْ } لأَنه تفريع لا يصح أن يترتب على حسبان الصيحة عدوا، وإِنما يترتب على أن المنافقين عدو برد قوله هم إِلى المنافقين وهو مبتدأ { قَاتَلَهُمُ اللهُ } لعنهم الله وطردهم عن رحمته عز وجل والجملة إِخبار أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك والمراد قولوا لعنهم الله ولا يجوز فى الشريعة وفى حق الله سبحانه وتعالى ما قيل أنه دعاء وطلب من ذاته سبحانه أن يلعنهم ويطردهم من رحمته تعالى، وإِنه من أسلوب التجريد البديعى لأَن هذا سوء أدب ويؤول إِلى تشبيه الله عز وجل بخلقه { أَنَّى } كيف أو من أين { يُؤفَكُونَ } يصرفون عن الإِيمان مع ظهور أنه الصواب وأنه النافع والاستفهام تعجيب ولما صدق الله عز وجل زيد بن أرقم فى قوله: إِن عبد الله بن أُبى قال لا تنفقوا على من عند رسول الله الخ، وقال لئن رجعنا إِلى المدينة لام ابن أُبى المؤمنون من قومه ومقته الناس، وقال بعض المؤمنين من قومه: اعترف عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك، فلوى رأسه وقال: أشرتم إِلى بالإِيمان فآمنت وبالزكاة ففعلت ولم يبق إِلا أن تأمرونى بالسجود له فنزل قوله تعالى { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لِكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّواْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } وروى أنه - صلى الله عليه وسلم - وثب فجعل يلوى رأسه فنزلت الآية. وضمير الجماعة مع أن اللاوى لرأسه ابن أُبى وحده لأَنهم فعلوا مثله أو رضوا أو للحكم على المجموع، نحو فعل بنو تميم كذا إِذا فعل بعضهم وأما وجه استعمال إِذا فى مقام الشعور بالتكرر مع أنه لا تكرر فمضى آنفا، وألهمنى الرحمن الرحيم وجها حسنا جدا وهو أن يحكم بخروج إِذا عن الشرط فلا تفيد العموم ومعنى لووا رءُوسهم حركوها جانبا حقيقة ويشيرون بتحريكها إِلى الإِنكار وذلك تكبر فى قصدهم كما بينه بالحال وهو قوله عز وجل: وهم مستكبرون، من التوبة والإِذعان، وقيل لم يحركوها. وذلك كناية عن الامتناع ويصدون بمعنى يعرضون والمضارع للتجدد والرؤية بصرية، والمرئى أثر الصد لا نفسه.