التفاسير

< >
عرض

قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
٢
وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ
٣
-التحريم

تيسير التفسير

{ قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أيْمَانِكُمْ } جعل الله تعالى تحريم الإِنسان الشئ على نفسه بمعنى جعله كأَنه محرم عليه من الله عز وجل يميناً إِذا حنث فعل ما ذكره الله تعالى فى سورة المائدة من عتق أو إِطعام عشرة مساكين أو صوم ثلاثة أيام إِن لم يجد، ولم يشهر عنه - صلى الله عليه وسلم - إِلا ما مر فى رواية شرب العسل عند سودة أنه قال" "والله لا أشرب العسل" ، فقيل لزمته كفارة اليمين لأَنه - صلى الله عليه وسلم - حنث نفسه بشربه العسل أو وطء مارية فقيل للتحريم كأَن معه يمين أو لم يكن معه يمين، وقيل لليمين، وأنه قد قال. كما روى بعض والله أيضاً لا أطأ مارية فيكون قد أعطى الكفارة كما قال زيد بن أسلم والشعبى.
وعن مقاتل: أعتق رقبة على تحريم مارية، وأن قوله تعالى { قد فرض الله.. } الخ تعليم لأُمته وفيه أنه تلزم الكفارة فى الجملة ولو بلا ذنب فقد جمع الله تعالى له الغفران ولزوم الكفارة، والأَصل فى الخطاب أن يشمله وأن أحكامه وأحكامنا واحدة إِلا ما تبين خصوصه به، ومن حرم زوجه أو قال الحلال عليه حرام ولم يستثن زوجه، فقال أبو بكر وعمر وزيد وابن مسعود وابن عباس وعائشة عليه كفارة يمين، وقال جماعة لا شئ عليه، ونسب لمسروق والشعبى، روى البخارى ومسلم عن ابن عباس من حرم امرأته فلا شئ عليه ثم تلا:
" { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } " [الأحزاب: 21] ولعل مراده أنه لا طلاق بذلك ولا إِيلاء ولا ظهار ولا فرقة، وفى النسائى أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل حرم زوجه "قد بت وعليك مغلظة عتق رقبة" ، وقيل تحريم الزوج إِيلاء، وقيل ظهار، وقيل طلاق بائن، وقيل ثلاث مطلقاً، وقيل ثلاث فى المدخول بها وأما غيرها فبقدر ما عنى من واحدة أو اثنتين أو ثلاث، والأَولى أنه إِن لم ينو طلاقاً ولا ظهارًا ولا إِيلاء فما عليه إِلا كفارة يمين، وإِن نوى ذلك كان عليه ما نوى وذلك أنه قد يهمل ولا ينوى شيئاً أو ينوى تحريم ذاتها فكفارة يمين، وإِن حرم أمته أو عبده ونوى العتق وقع العتق، وإِن لم ينو فكفارة يمين، وإِنما تلزم فى كل مسأَلة إِذا فعل ما حلف عليه كوطء زوجه أو سريته، وقيل إِذا لم ينو فلا كفارة، ومن حرم حلالاً فيمين وقيل لا عليه. وفى البخارى ومسلم عن ابن عباس إِذا حرم الرجل عليه زوجه فهى يمين يكفرها وقرأ: " { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } "، وفى رواية إِذا حرم الرجل عليه زوجه فليس بشئ وقرأ: " { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } " ومعنى قوله فليس بشئ أنه لا يكون ذلك طلاقاً ولا إِيلاء ولا ظهاراً. وعن سفيان إِن لم ينو شيئاً فلا شئ عليه. وتحلة مصدر حلل والأَصل تحللة نقلت كسرة اللام إِلى الحاء فأَدغمت اللام وهو من الحل ضد العقد فالحالف عقد على نفسه والكفارة فك له كحل عقدة الخيط، وذلك فى الحنث ويقع الحل أيضاً بعدم الحنث.
{ وَاللهُ مَوْلاَكُمْ } سيدكم المتولى أُموركم.
{ وَهُوَ العَلِيمُ } بما يصلحكم فيوجبه أو يحرمه أو يبيحه أو يكرهه أو يندبكم إِليه.
{ الْحَكِيمُ } فلا يشرع ولا يفعل إِلا ما هو صواب وحكمة وإِتقان { وَإِذ أسَرَّ النَّبىُّ إِلَى بَعْضِ أزْوَاجِهِ حَدِيثًا } مفعول به لإِذكروا بصيغة الجماعة خطاب للمؤمنين أو للناس عموماً أو اذكر بالإِفراد خطاب لمن يصلح له، والإِسرار قوله لعائشة وحفصة على وجه السر أبويكما يليان الخلافة بعدى،
وعن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - أسر إِلى حفصة تحريم مارية وأن أبا بكر وعمر يليان الناس بعدى، وروى أبو نعيم عن على وابن عباس أن خلافة أبى بكر وعمر لفى كتاب الله تعالى "وإِذ أسر النبى... الخ" قال لحفصة أن الخليفة من بعدى أبو بكر ومن بعد أبى بكر عمر، وروى بعض الشيعة عن الزجاج لما حرم النبى - صلى الله عليه وسلم - مارية أخبر أنه يملك من بعده أبو بكر وعمر وذلك البعض هو الطبرى من أجل الشيعة، والشيعة أعم من الروافض، والروافض بعض من الشيعة وهم من رفضوا من آل البيت موسى الكاظم لما رأوه يحب أبا بكر وعمر، وكذا روى أبو جعفر الباقر وزاد أن كل واحدة حدثت أباها، وفى رواية لأَبى نعيم وابن عدى وابن مردويه عن على وابن عباس أن الإِسرار قوله لحفصة أبوك وأبو عائشة واليا الناس من بعدى فإِياك أن تخبرى أحداً، وإِذاً كان هذا زلة بطل قول بعض بجواز التكلم بالسر المستكتم عند من اطمأَن إِليه لا يفشيه كامين وزوج وصديق وكيف وقد قال الله تعالى أن تتوبا إِلى الله.. الخ، وإِذا أثبت الشيعة هذا فقد بطلوا قولهم أن الخلافة حق لعلى لا لأَبى بكر وعمر، ونسمع منهم فى هذا العصر عند الطواف الحمد لله الذى جعل الخلافة فى على، أو الحمد لله الذى جعل الإِمام علياً ونقول الإِمام على بعد عثمان حقاً فلعن الله الشيعة ولعن من يطوف بهم ويقول ذلك بهم، ولا يجوز أخذ الأجرة على الطواف بأَحد مطلقاً ولا سيما من يقول فى طوافه ذلك وهى سحت باتفاق يجب أن يخرج عن الطواف بهم، ويجوز أن يكون الإِسرار فى شأْن شرب العسل: فقد روى أنه قال لعائشة وقيل لحفصة وهو أصح كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود وقد حلفت لا تخبرى بذلك أحداً، والحديث تحريم العسل، أو تحريم مارية كما قيل، أو خلافة أبى بكر وعمر، أو كل ذلك، والمشهور وهو قول الجمهور أن بعض الأَزواج حفصة، وكونها عائشة رواية شاذة عن ابن عباس، ولما أفشت حفصة إِلى عائشة أو عائشة رواية شاذة عن ابن عباس، ولما أفشت حفصة إِلى عائشة أو عائشة إِلى حفصة وقد استكتمهما طلق نساءه لذلك الإِفشاء، وتشديد عائشة عتابه على العسل، وطلبهن النفقة مع أنه لا يجد وأقسم أن لا يدخل عليهن شهراً، وقيل لم يطلقهن ولكن أقسم أن لا يدخل عليهن ودخل على عائشة أولا فى التاسع والعشرين فقالت: لم يكمل الشهر. فقال: إِن هذا الشهر يكون تسعاً وعشرين، والصحيح أنه لم يطلقهن وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منادياً على باب المسجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يطلق نساءه، فخيرهن فاختارته عائشة رضى الله عنها إِذ بدأ بها فتتابعن، وقال لها شاورى أهلك. قالت: لا أشاور أحدًا.
{ فَلَمَّا نَبَّأَتْ } تلك البعض وهى حفصة أى أُخبرت { بِهِ } عائشة. { وَأَظهَرَهُ اللهُ } أظهر الله تعالى نبيه أى أعلمه. { عَلَيْهِ } أى على ذلك الحديث المُسَرّ أى جعله الله مطلعًا على إِفشاءه بحذف مضاف أو بدون حذفه، أى أعلمه أنه مفشى وكأَنه صلى الله عليه وسلم حاضر حال إِفشائه سامع له من لسان الناطقة به المطلوب منها أن لا تنطق به لأَحد، ويجوز عود الهاء على مصدر نبأَ المذكر أى على التنبئ بوزن التفعل مختوم بالهمزة قبلها ياء مثناة من تحت، لكن يضعف هذا لأَن الضمير قبل وبعد للحديث، وعلم الشئ ظهور عليه وغلبة عليه.
{ عَرَّفَ بَعْضَهُ } أعلم حفصة بعضه أى أعلمها أنى قد علمت أنك أفشيت بعض ما ألزمتك أن لا تفشيه. قال ابن عباس هذا البعض تحريم مارية، وقيل الخلافة، والمراد بالإِفشاء هنا الإِظهار ولو مرة ولو لإِنسان واحد يكتمه، وذلك الإِفشاء زلة ممن أفشته رضى الله عنها قد غفرها الله تعالى لها وهو الرحمن الرحيم، وذلك البعض هو قول حفصة لأَبيها أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبرنى أنك خليفة من بعده، أو هو قوله - صلى الله عليه وسلم -
"كنت شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود" ، أو بعض الأَزواج عائشة والبعض الذى عرفه ما ذكر أو هو تحريم مارية أو العسل.
{ وَأعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ } هذا البعض هو ما بقى مما أخبرت به غيرها هذه المستكتمة الجملة ثلاثة: الخلافة وشرب العسل وتحريم مارية، قال ابن عباس هذا البعض هوالخلافة وقيل تحريم مارية أخبرها - صلى الله عليه وسلم - ببعض ما أفشت منها ولم يخبرها بالبعض الآخر الذى أفشته لئلا يشتد عليها العتاب جداً وقد روى عن الإِمام على ما استقصى كريم قط، وأجاز بعض أن يكون عرف بمعنى جازى أى جازاها على بعض بالعتاب أو بالتطليق ثم راجعها.
{ فَلَمَّا نَبَّأَهَا } أى انبأَ تلك المرأة التى إِستكتمها فلم تكتم فأَخبرها بأَنك لم تكتمى بل أخبرت غيرك بكذا.
{ بِهِ }أى بذلك البعض الذى نبأَت غيرها.
{ قَالَتْ }له - صلى الله عليه وسلم.
{ مَنْ أنْبَّأَكَ هَذَا } من صيرك عالماً بهذا الذى ذكرت أنه ذكرته لغيرى، تخاف حفصة مثلا أن تكون عائشة قالت له - صلى الله عليه وسلم - أن حفصة أخبرتنى بكذا، وإِذا كان قد قال لكل واحدة فى سر أن أباك خليفة أو أنهما خليفتان فكلتاهما مستكتمة فمن أفشت بعضه خافت أن تكون الأُخرى المفشى إِليها هى المخبرة له - صلى الله عليه وسلم - والحديث متعدد ولا بد لذكر لفظة بعضه وهو شرب العسل وتحريم مارية والخلافة أفشت إِحداهن الكل، أو المراد اثنان من ذلك أفشتهما فأَخبرها بأَنك أفشيت كذا ولم يذكر إِفشاء الباقى.
{ قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ } الذى لا يخفى عنه شئ ولم يخبرنى به من أفشيت.