التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
٦
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٧
-التحريم

تيسير التفسير

{ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } نوعا عظيما من النار لا ضوء له وهو نار الآخرة ونعتها بقوله { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } الذى تتقد به الناس والحجارة كما تتقد نار الدنيا بالحطب، وكما تتقد فى هذا العصر حجارة بالنار لإِجراء السفن ونحوها ولمصالح غير الإِجراء ويسمونها الفحم الحجرى، وازدادت على نار الدنيا أنها كما تشتعل فحجارتها تشتعل بأَبدان داخليها من الناس والجن، ولم يذكر الجن لأَنهم تبع للناس، أو أراد بالناس ما يشملهم، ووقاية النفس أداء الفرائض وترك المعاصى، وإِن شئت فأَداء الفرائض لأَن ترك المعاصى فريضة، وإِن شئت فترك المعاصى لأَن ترك الفرائض معصية، ومعنى وقاية الأَهل نهى الأَولاد والأَزواج والمماليك واللقيط ومن قام عليه الإِنسان بنحو استخلاف عن فعل المعصية وترك الفرائض وتعليمهم التوحيد وعلم ما يجب علمه والأَدب، وعنه - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ من أشد الناس عذاباً يوم القيامة من جهل أهله" ، قال عمر يا رسول الله نقى أنفسنا فكيف لنا بأَهلينا فقال تنهوهم عما نهاكم الله وتأَمروهم بما أمركم الله فيكون ذلك وقاية بينهم وبين النار، ويروى هن مكان هم فى ذلك كله فإِما لدخول الأَولاد فى الأَنفس كما قال بعض فى الآية وإِما للعلم بالقياس عليهن، والنهى من باب أولى قال - صلى الله عليه وسلم - "رحم الله رجلاً قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم" . { عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ } الجملة نعت آخر وهم الزبانية التسعة عشر وأعوانهم أو التسعة عشر تسعة عشر نوعاً لا فرداً، ويروى ما بين منكبى أحدهم مسيرة مائة عام، فإِن كان هذا الطول حقا من الحديث آمنا به وإِن كان كذبا فما الداعى إِليه، وقد كان يكفى أن يكون كالآدمى يقويه الله أن يضرب جبلاً، أو يجعله دكاً تسفيه الرياح، وليس ذلك الكذب يزيد خشوعا، ولو كان النارى يكبر حتى أن سنه كجبل أُحد، ونؤمن بملائكة النار هكذا إِجمالا وبغلظهم وشدتهم هكذا وأنهم خلقوا للتعذيب يضرب النارى فيصير كله طحناً.
{ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أمَرَهُمْ } هذا لنفى العناد والاستكبار عنهم كقوله تعالى
" { لا يستكبرون عن عبادته } "[الأعراف: 206، الأنبياء: 19]، ولإِثبات القبول باطناً فإِن العصيان صفة الباطن، الجملة نعت ثالث لملائكة وما مصدرية والمصدر بدل من لفظ الجلالة بدل اشتمال هكذا نقول اصطلاحاً، أى لا يعصون أمره كقوله تعالى { { أفعصيت أمري } [طه: 93] فأَوقع المعصية على الأَمر، ولا حاجة إِلى تقدير فى أمره أو فى ما أمرهم به بتقدير (ما) اسما وتقدير فى والروابط.
{ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ } نعت رابع بواسطة العطف، أى يفعلون أمره أى يتبعونه ولا يخالفونه، ضد عصوا أمره، وقدر بعض ما يؤمرون به على أن (ما) اسم والرابط مجرور مقدر للعلم به ولو لم تف شروطه، وهذه الجملة لنفى الكسل والتثاقل كقوله تعالى
{ { ولاَ يَسْتَحسرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيلَ والنَّهَارَ لاَ يَفْتَرُونَ } [الأنبياء: 19 - 20] فلا تتكرر مع الجملة قبله التى لنفى العناد، والمضارع فيهما للتجدد والاستمرار، أو لا يعصون الله فيما مضى والمضارع لحكاية الحال، ويفعلون ما يؤمرون للتجدد والاستمرار فى المستقبل، وكل زمان له ماض يحكى ومستقبل يتجدد وذلك من باب الطرد والعكس وهو كل كلامين يقرر أولهما مفهوم الثانى ويقرر الثانى مفهوم الأَول مبالغة فى أنهم لا يقصرون عما كلفوه من أمر أهل النار { يَا أيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } مقول لقول مستأنف أو لقول حال من واو يؤمرون، يقولون ذلك للكفار عند إِدخال النار، والحال محكية والفعل لما يؤمرون بعد الإِدخال، وإِن كان حال التعذيب فمقارنة، (وال) فى اليوم للعهد الحضورى، وإِنما نهوهم عن الاعتذار لأَنه لا عذر لهم، ولأَنه لا ينفعهم، ويجوز أن يكون المقول المقدر حالياً لا قالياً أى يعذبونهم عذاب من لا عذر لهم، وما كانوا يعملون هو ترك ما فرض أو ندب إِليه، وفعل ما حرم أو كره، كذا قيل وفيه أنه لا يتعلق عقاب بالمندوب إِليه تركاً ولا بالمكروه فعلاً.