التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ
١٥
-الملك

تيسير التفسير

{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض ذَلُولاً } صفة مبالغة من اللازم كالضروب من المتعدى وهو يكون بلا تاء مع المؤنث بمعنى عظيمة الذل بضم الذال ضد الصعوبة يسهل عليكم جدا السلوك فيها، والذل يكون للحيوان لا للجماد ولكن شبهها بما ذل حتى لا يرد عن نفسه مضرة ورمز إِليه بلازمه فهو تبع للمكنية باق على معناه أو استعارة على طريق التخييلية أو إِثباته أو استعارة لشئ هو للأَرض شبيه به وهو عدم ردها على من مشى فيها، أو بمعنى عظيمة الذل بكسر الذال وهو سهولة الانقياد وعليه فذلول يجوز أن يكون استعارة من دابة ذلول أو تشبيها ولكم متعلق بجعل بمعنى أثبت أو خلق، وذلولاً حال وعلى أنه من باب ظن يكون ذلولاً مفعولاً ثانياً، وعلى كل حال تقديمه على ما بعده آت على الأَصل وليس حقه التأْخير عن المفعولين كما قيل فضلا عن أن يقال قدم على طريق الاهتمام بالإِثبات للمخاطبين وبهم والتشويق إِلى ما بعده فيخبرهم به وقد استعدوا له فيتمكن دخوله فى قلوبهم، نعم ذلك صحيح إِن علق بذلولاً وليس بلازم ولا هو الأَصل { فَامْشُوا } لمصالحكم أمر إِباحة، وقيل طلب السعى للأُمور المباحة والعبادة. { فِي مَنَاكِبِهَا } لا تتعطلوا عن المشى لذلها أو لذلها فالفاء للسببية والمنكب مجتمع ما بين العضد والكتف، وليس لها عضد ولا كتف فذلك ثبات لغاية التذلل لأَنه من أباعد ما يطأَ من الإِنسان بالقدم، وقيل هو ارق شئ فى البعير وابعد عن أن يطأَ بالقدم وهو غير مسلم.
وعن ابن عباس مناكبها جبالها، ويجوز أن يكون المنكب ظاهرها. وعن الحسن طرفها على الاستعارة التصريحية وهى من لازم ما شبهت به الأَرض على الاستعارة المكنية وهو البعير والمشبه به غير مذكور كما هو شأْن المكنية وليس ذلولا صريحاً فيه بل أُريد به الأَرض، ولعل اختصاص المناكب بالذكر لكون الراكب كثيراً ما يركب من جهة العنق التالية للمنكب. وزعم بعض أن الأَرض أربعة وعشرون ألف فرسخ للسودان اثنا عشر ألفاً وللروم ثمانية آلاف وللفرس ثلاثة آلاف والباقى للإِسلام. وهذا فى زمان المأمون بن هارون الرشيد، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل اثنا عشر ألف ذراع، والذراع ثلاثة وثلاثون إِصبعاً، وعن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه عن النبى - صلى الله عليه وسلم -
"الدنيا خمسمائة عام، ثلاثمائة عام بحار، ومائة عمران، ومائة خراب، ويقال وسط الأَرض مكة لو بسط خيط إِلى الجهات منها لتساوت إِليها" . وصححها بعض، وقيل وسطها وادى سرنديب حيث نزل آدم من الجنة لاستواء الليل والنهار فيه { وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ } انتفعوا برزقه فاستعمل الخاص فى العام لحكمة أن المقصد الأَعظم الأَهم هو الأَكل وهذا أولى من إِبقائه على ظاهره وتقدير عام أى كلوا من رزقه، وانتفعوا به. ويجوز أن يكون كلوا بمعنى اكتسبوا لعلاقة أن الاكتساب سبب وملزوم للأَكل فى البطن وللانتفاع المطلق أو للانتفاع المطلق المعبر عنه بالأَكل مجازاً مبنياً على مجاز أُريد بالأَكل الكسب وبالكسب الانتفاع، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنَّ الله يحب العبد المؤمن المحترف" والاحتراف لا ينافى التوكل.
مر عمر رضى الله عنه بقوم فقال: من أنتم؟ فقالوا: المتوكلون. فقال: بلى. المتأَكلون. المتوكل الرجل ألقى حبه فى الأَرض وتوكل على الله وإِذا فسر الأَكل بالكسب فالأَمر فى الآية طلب على ظاهره، وإِذا فسر بالأَكل أو الانتفاع فللإباحة. { وَإِلَيْهِ } لا إِلى غيره. { النُّشُورُ } بالبعث جزاء على شكر النعم وعلى كفرها فخذوا من الدنيا ما ينفعكم فى الأُخرى، والجملة معطوفة على إِحدى الجملتين قبلها عطف اسمية خبرية على فعلية طلبية أو على جعل لكم الأَرض ذلولاً، أى وإِليه النشور لنتيجة جعل لكم الأَرض ذلولا وتصرفكم فيها. قيل أو حال من واو كلوا مقدرة، أى معتقدين أنكم تنشرون.