التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٢٢
-الملك

تيسير التفسير

{ أفَمَن يَمْشِي } أجهلتم فى كل مقام فمن يمشى { مُكِبّاً عَلَى وجْههِ أهْدَى أُمَّن يمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِراطٍ مُسْتَقِيم } استعارتان تمثيليتان على طريق الاستفهام التقريرى، شبه المشرك واعتقاده وأفعاله وأقواله المخالفة للحق بمن يمشى على وجهه مطلقاً ولو فى طريق مستو، فكيف وهو فى طريق متحرف منخفض مرتفع لجامع المضرة والهلاك، وشبه المسلم واعتقاده وأفعاله وأقواله الموافقة للحق بمن يمشى على رجليه فى طريق مستو لا مضرة فيه لجامع المنفعة والسلامة ولم يصرح بطريق الكافر لأَنه لا يستحق مسلكه اسم طريق معتبر لأَنه فى ضلال لكن ذكر ما يدل على سوء مسكله، ويجوز أن يكون المعنى أن الكافر يمشى على رجليه لكن لا يزال يقع على وجهه، وهذا مصرح بأَن المسلم يمشى على رجليه، لكن ليس فى منكباً ما يدل على التكرار. وعلى هذا الجواز يتعلق على بمنكباً وعلى ما قبله بيمشى كما تعلق على صراط بيمشى ومنكباً مطاوع كب المتعدى وهو من أفعل المطاوع لفعل كمريت الناقة وأمرت وشنقت البعير، فاشنق رفع رأْسه، وقشعت الريح الغيم، فأقشع، ونزفت البئر، فأَنزفت ونسلت ريش الطائر، فانسل فانظر شرحى على لامية الأَفعال، وأُجيز أن يكون أكب للصيرورة أو للدخول كالأم صار لئيماً وأصبح دخل فى مصباح، وأيمن دخل اليمن، وكل ذلك غير المطاوعة، نعم المرجع إِلى معنى واحد فليس كما قيل إِن المطاوعة الصيرورة فإِن المطاوعة تقتضى تقدم الداعى، ومعنى السوى مستوى الجسد لا مستوى الجهة لأَنه لا يظهر من اللفظ ولأَن الصراط المستقيم يغنى عنه، وقيل المكب الأَعمى والسوى البصير على الكناية أو المجاز المرسل أو الاستعارة التمثيلية وقيل الاية على الحقيقة بأَن الله يبعث الكافر ماشياً على وجهه فى طريق مضر والمؤمن ماشياً على رجليه فى طريق مستقيم فالمراد المشى فى الآخرة فقيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف يمشى الكافر على وجهه. فقال: "إِنَّ الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر أن يمشيه في الآخرة على وجهه" ، والمراد فى ذلك كله على كل وجه العموم، ولاينافيه ما روى أنها نزلت فى أبى جهل لعنه الله، وحمزة رضى الله عنه لأَن العبرة بعموم اللفظ فهى عامة لكل كافر وكل مؤمن، وعلى أنها فيهما هى على ظاهرها من الحقيقة أو على المجاز السابق أو الكناية بقى أن لا هداية للكافر فما معنى أعمال التفضيل بينه وبين المؤمن، فإِما أن يكون أهدى خارجاً عن التفضيل كأَنه قيل الكافر مهتد أم المؤمن، وإِما أن يكون المعنى الكافر أشد هدى فى دعواه أم المؤمن فى دعواه، وليس من باب العسل أحلى من الخل كما زعم بعض وإِنما يكون منه لو قال: { أفمن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أهْدَى } كما يقال الخل أحمض من العسل والمؤمن أهدى من الكافر بمعنى ذاك فى شأْنه أشد من ذاك فى شأْنه، مثلاً حلاوة العسل أشد من حموضة الخل، بقى أن أهدى بمعنى أشد اهتداء لا أشد هداية لغيره فكأَنه اسم تفضيل من الخماسى سماعا ومن يمشى معطوف على من يمشى فهو مقدم على أهدى فى التقدير فأَهدى خبر لهما كما تقول أزيد أم عمرو أفضل.