التفاسير

< >
عرض

عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
١٣
-القلم

تيسير التفسير

{ عُتُلٍّ } دافع للناس غليظ عليهم بشدة الخصومة بالباطل أو بالضرب أو الحبس. وعن ابن عباس الشديد الفاتك أى القاتل على غفلة، وقيل اللئيم الفاحش السئ الخلق، وقيل الشديد فى كفره، وقيل الأَكول الشروب القوى الشديد لا يزن فى الميزان شعيرة يدفع الملك سبعين ألفاً من هؤلاء فى النار بمرة. { بَعْدَ ذَلِكَ } متعلق بمحذوف أى نذكر بعد ذلك قولنا زنيم على أنه متبع لما قبله كالعلاوة للحمل وخصه بذلك لأَن الزنامة قبيحة فى العقول، ولأَنها ليست من فعله كما أن ما قيل من العتلية بعد ما فعل ما مر وليس هذا مراداً فى الآية، والله أعلم، وإِن شئت فقد ذكرت العتلية بعد ذلك، وهذه البعدية كالترتيب الذكرى بالفاء أو بثم، ويجوز أن تكون بمعنى مع أى عتل مع ذلك أو زنم مع ذلك. { زَنِيمٍ } ملحق بقوم ليس منهم، أو منتسب إِلى غير أبيه أو إِلى غير عشيرته.
وعن ابن عباس انه ولد الزنى، وعنه من يعرف بالشر كما تعرف الشاة بالزنمة، وعنه من يمر على القوم فيقولون رجل سوء، يعنى يكثر الشر حتى عرف به، وعلى كل حال هو مشبه بغدة تتدلى فى عنق المعز أو بفلقة من أذن شقت فهى تتدلى وبعرف الجلد من الأَكارع، وفى ديوان حسان من نسخة مجودة مكتوبة بالقالب:

زنيم تداعته الرجال زيادة كما زيد فى عرض الأَديم الأَكارع

والناشئ من نطفة الزنى بخبث غالباً، وكذا يحمل على الغالب قوله - صلى الله عليه وسلم - "ولد الزنى لا يدخل الجنة" وأراد أن فيه ما يصده عن الطاعة فقد يصده وقد لا يصده وليس المراد على معنى الغالب أو إِن أحسن لم يدخل الجنة مع السابقين لأَن فيه ما يمنعه من عمل السابقين. قال - صلى الله عليه وسلم - "لا يدخل الجنة عاق ولا ولد زنية ولا منان ولا مدمن خمر" بمعنى أن هذه الصفات معرضة للموت على الإِصرار أو لأن لا يكون من السابقين عملاً، وقيل المعنى ولد الزنى لا يدخل الجنة بعمل أبويه بل بفضل الله على أن أطفال السعداء يدخلونها بعمل آبائهم وأطفال الأَشقياء بمحض فضل الله، ولا خير إِلا بفضل الله عز وجل، وقيل الزنيم من يحب أن يؤتى فى دبره، وفى رواية أن المراد الوليد بن المغيرة المخزومى وكان دعياً فى قريش ادعاه المغيرة بعد ثمانى عشرة من مولده، وقيل الحكم طريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل الأَخنس بن شريق وأصله من ثقيف وعداده فى زهرة، وقيل الأَسود بن عبد يغوث، وقيل أبو جهل، ولا يخفى أنه ليس المراد شخصاً واحداً لقوله تعالى: كل حلاف.. الخ، وأقول سبب النزول هؤلاء المذكورون بأَشخاصهم مشاراً بهم إِلى غيرهم، وهذا وارد فى شعر امرئ القيس وغيره فلا يبطل ما روى الطبرى أنه لم يعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المراد حتى نزلت الآية فعرف أنه أحد هؤلاء وفى عنقه زنمة، ولا يبحث بأَنه الزنمة ليست من فعله ولا ذم فيها شرعا لجواز ختم الكلام بما لا ذم فيه بياناً له بعد ذمه نحو لا تجالس الفاسق الخائن الذى داره عند دار فلان لما وصف - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنون وصفه الله تعالى بعشرة أوصاف قبيحة كما أن من صلى عليه وسلم يصلى الله عليه عشراً.