التفاسير

< >
عرض

فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ
٤٨
-القلم

تيسير التفسير

{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } هو عدم التعجيل بإِهلاكهم، فإِنك منصور فى حينك وفيما بعد ولو لم يظهر لك النصر الحاضر، أو اصبر على عدم ظهوره، عرض نفسه على القبائل فى مكة فأَذاه ثقيف فأَراد الدعاء عليهم فنزلت الآية، وقيل أراد الدعاء على الذين تركوا مقامهم الذى أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بملازمته وأن لا يفارقوه ولو رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين مقتولين تأكلهم الطير وفارقوه لما رأوا المشركين منهزمين فخرج عليهم من وراءهم كمين الكفار فنزلت الآية، وعليه فالآية مدنية فيكون حكم ربك قضاءه بمفارقة المقام وانهزام المؤمنين وموت من مات منهم بذلك، وقيل أراد أن يدعو على المنهزمين يوم أحد عند اشتداد القتال فنزلت: { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ } فتبتلى بما ابتلى به، وهو يونس - عليه السلام - وهو ذو النون ولفظ ذو النون أعظم من لفظ صاحب الحوت فإِنه بمعنى من له شأن النون وقصته وكذا ذو المال بمعنى من له المال، وتأَهل بخلاف صاحب الحوت وصاحب المال إِنه أفاد صحبة وهى دون ذلك المعنى، ولو اريد به ذلك المعنى لأَن لفظ الصحبة ليس صريحاً فى ذلك، وتفسير ذو بصاحب تسامح واختصار، كما قال ابن حجر، إِن (ذو) تفيد تعظيم الموصوف بها، ففى مدح يونس قال الله عز وجل: { وذا النّون }، وفى النهى عن متابعته ولا تكن كصاحب الحوت، وكذا لفظ النون أفضل إِذ جُعل اسما لهذه السورة من لفظ الحوت.
{ إِذْ } متعلق بمحذوف حال من صاحب، وإِذا فاد الإِخبار ونحوه كالحالية بالزمان على الذات جاز نحو لا تكن اليوم كعمرو أمس، وسواء قدرنا ثابتاً كصاحب الحوت أو مضطرباً كصاحب الحوت أو جعلنا كان بلا خبر وكأَنه قيل مضطرباً كاضطراب صاحب الحوت ومغاضبته واغتضابه على قومه، فيجوز تعليق إِذ باضطراب صاحب الحوت، وعبارة بعض إِذ منصوب بمضاف محذوف، أى لا يكن حالك كحاله وقت ندائه أهى وهذا ما أفاد تعليقاً، ولا هو كلام صحيح من حيث التعليق، وصح من حيث المعنى.
{ نَادَى } حذف المنادى أى ناداه الله أو نادى ربه لأَن المدار فى النهى على قوله. { وَهُوَ مكْظُومٌ } وهو جملة حالية من ضمير نادى لا على النداء لأَن النداء أمر حسن مأْمور به
{ { لا إِله إِلاَّ أنت سبحانك إِني كنت من الظالمين } [الأنبياء: 87] ومعنى مكظوم مملوء القلب على قومه إِذ دعاهم ولم يؤمنوا، من كظم السقاء أى ملأَه.