التفاسير

< >
عرض

وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ
١٧
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ
١٨
-الحاقة

تيسير التفسير

{ والْمَلَكُ } جنس الملائكة وهو أعم من الملائكة عند بعض قال بعض أئمة أندلس لا يظهر أنه أعم، قلت ولعل دعوى أنه أعم أن البيان بالجنس لا يتصور منه بقاء فرد فى مقام العموم مع وجود الجنسية بخلاف العموم بصيغة الجمع فإِنه تعداد للإِفراد فالبيان بالجنس بيان ببرهان والأَمر كذلك لكن باعتبار الحكم الواقع عليه هو دون الاستغراق لأَن ما للجنس يصلح صرفه ولو لواحد بخلاف العموم إِن قلت كل فلا يخفى أنه اعم مثل كل رجل. { عَلَى أرْجَائِها } جوانبها التى لم تنشق والمفرد رجا وألفه عن واو والتجأَ الملائكة إِلى أطرافها خوفاً من عظمة الله عز وجل أو اجتماعاً للنزول، وقد مر أن ذلك كله بعد البعث يشاهده أهل الموقف ينزل أهل كل سماء أضعاف أهل سماء تحتها، وقيل ذلك الانشقاق بعد موت الملائكة عند النفخة الأُولى ويحيون قبل سائر الموتى، وقيل الملك على أرجائها على شقها ينظرون إِلى شق الأَرض وما أتاهم من الفزع، وفى هذه زيادة على ما فى الاية وهو ضعيف، وقيل يقفون على الأَرجاء لحظة فيموتون ولا يبقى ذو روح حياً عند نفخة الموت لا ملك ولا حوراء ولا غيرهما وإِن فرضنا أن أرواح الموتى حية الآن ماتت فى ذلك الوقت، وعن ابن جبير أن ضمير أرجائها للأَرض يحيط أهل كل سماء بأَهل سماء تحتها بأَطراف الأَرض، ولا يصح ما قيل إِن انشقاق السماء وما ذكر تمثيل لخراب العالم، بل المراد ظاهر ذلك كما جاءت به الأَخبار.
{ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ } إِلى ارض المحشر وقيل فى مكانه. { فَوْقَهُمْ } فوق الجن والإِنس والملائكة وسائر ما بعث أو فوق الملائكة الذين على الأَرجاء، وقيل الهاء للثمانية فى قوله تعالى؛ { يَوْمَئِذٍ } لشدة الهول وأما اليوم فأَربعة. { ثَمَانِيَةٌ } أى يحمل ثمانية عرش ربك فوقهم، أى فوق ظهورهم أو فوق رءوسهم ففوقهم على هذا فى نية التأْخير عن ثمانية وفى ذلك تعظيم للعرش بكونه فوق ظهورهم أو رءوسهم لا بين أيديهم كالمرفوع إِلى الصدور أو متدلياً بالأَيدى، وصرح العباس رضى الله عنه بأَنه فوق ظهورهم وهو أشد إِعظاماً من كونه فوق الرءوس، وقال ابن العربى على كواهلهم، وقيل الحمل كناية عن عظمة الأَمر بما يشاهد من أحوال السلاطين يوم خروجهم على الناس للقضاء العام، وليس الله حالا بالعرش الآن ولا يومئذ والقديم لا يتصور مباشرة الحادث له والقديم لا يتحيز ولا يخف ولا يثقل، وفى ابن ماجه عن العباس رضى الله عنه تفسير الاية ثمانية أوعال بين أظلافهن وأوراكهن ما بين سماء إِلى سماء فوضهورهن من بين أسفله وأعلاه ما بين السماء والسماء، والمراد ملائكة من نور بصورة الوعل وهو تيس الجبل بلا فروج وهو ظاهر فى أن المراد ثمانية افراد، وروى بعضاً بصورة الإِنسان وهو أفضلهم وبعضاً بصورة الأَسد وبعضاً بصورة الثور، وبعضاً بصورة النسر، فجمعوا الناطق والسبع والنعم والطائر، وروى أن لكل واحد وجه ثور ووجه نسر ووجه إِنسان، وذلك أن من أعز ما ظهر الوجه، ولكل واحد جناحان يطير بهما وجناحان على وجه لئلا يحترق من نور العرش، وروى أن اربعة يقولون سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك وعلى قدرتك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد غضبك، وعن وهب بن منبه لا كلام لهم إلا قدسوا الله القوى الذى ملأت عظمته السماوات، وعن الضحاك ثمانية صفوف لا يعلم عدتهم إِلا الله عز وجل، والحمل على الجمع وظاهره من إِرادة الإفراد أولى كما قال ابن العربى فى فتوحاته تحصلت لى من ذلك نسخة منه بالقالب معها كلام لبعض الأَشعرية يبين ما خالف فيه الأَشعرية مثل قوله كقولنا إِن صفات الله ليست زائدة عليه وقد أذعنوا له ما لم يذعنوا لغيره وهو مرادهم بالشيخ الأَكبر، وعن ابن مسعود غلظ كل سماء خمسمائة عام وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام وبين السابعة والكرسى خمسمائة عام وبين الكرسى والعرش خمسمائة عام، وعن العباس رضى الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الأَرضين والسماء اثنتان وسبعون سنة، أو قال إِحدى وسبعون، أو قال ثلاث وسبعون وبين كل سماء وسماء وفوق السابعة بحر طوله كذلك، وفوق البحر أوعال ثمانية بين ظلف كل واحد وركبته كذلك، عليهم العرش ومن أسفله إِلى أعلاه مثل ذلك وهؤلاء الأَوعال حملة العرش، ويروى أن بين فوق عين كل واحد وطرفها خمسمائة عام وبين شحمة أذنه وكتفه خمسمائة عام وكذا بين أسفل ظلفة وكعبه وكذا بين كعبه وركبته والله أعلم بصحة ذلك وقدرة الله تعالى صالحة لأَضعاف ذلك أضعاف لا منتهى لها. { يَوْمئِذٍ تُعْرَضُونَ } بالحساب كما يعرض الجند على السلطان والخيل عليه أو على سائسها أو متولى شأْنها ليعرف أحوال ذلك متعلق بتعرض بعده، وعن الحسن عن أبى موسى لا عن أبى هريرة لأَن الحسن لم يسمع من أبى هريرة:
"يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأَما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تطاير الصحف فآخذ بيمينه وآخذ بشماله" ، والتقدير يوم إذ يحمل العرش فوقهم ثمانية أو يوم إِذ نفخ فى الصور.. الخ، والجملة مستأْنفة ولا حاجة إِلى جعلها بدلا إِذا قدر يوم إِذ نفخ... الخ. للفصل الكثير ولأَن العرض ليس نفس وقوع الواقعة وانشقاق السماء ولا بعضه وإِن ادعى بل اشتمال فتكلف. { لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } فعلة خافية أى لا يتصور أن يكون الخفاء يومئذ فضلاً عن أن يقال خفيت خافية وإِنما العرض لإِفشاء الحال وإِقامة الحجة وإِظهار العدل فإِذا لم تخف عن الله يومئذ فأَولى أنها لم تخف يوم فعلها هذا بادى الرأى والأَمر عند الله سواء قبل وبعد. وذلك تهديد. وقيل لا تخفى عن الناس كقوله تعالى: " { يوم تبلى السرائر } " [الطارق: 9] والجملة مستأْنفة أو حال من واو تعرضون ويومئذ يعاقبون على لبس الحرير والذهب وعلى ما أخذوا من مال بالقمار أو الربا وعلى ما هو محرم وعلى إِخفاء مال ودعوى الإِفلاس أما بلا إِخفاء فلا إِلا إِن كان الإِفلاس لإِسراف أو صرف فى معصية وإِذا لزم جبار ناسا مالا جاز جمعه بالعدل عن طريقة ما ألزمهم ولا إِثم على جامعه ومن ألزمه الإِثم هلك.