التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ
١١
-الأعراف

تيسير التفسير

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ } خلقنا آباءَكم طيناً غير مصور { ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } صورنا آباءَكم، ولما حذف آباء عاد تعلق الخلق والتصوير إِلى الكاف في الموضعين، أَو نزل خلقه وتصويره خلقاً لنا وتصويراً لنا لأَنه مبتدأ لنا نتفرع عليه، وسبب لنا حتى أَنه يجوز أَن يراد ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم مترتبين بخلق آدم وتصويره، أَو المراد خلقنا آدم وتصويرنا بإِخراجنا كالذر يوم أَلست بربكم، أَو خلقنا لأَرواحكم وتصويرناكم كالذر، وقد ذكر التمكين فى الأَرض مع تأَخره عن الخلق والتصوير لأَنه نعمة بالذات فائضة، وخلقهم وتصويرهم نعمة بالواسطة وبالإِيذان بأَن كلا نعمة مستقلة، { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ } اخضعوا له بالسجود لى إِلى جهته كالسجود إِلى الكعبة لله لا لها، وثم لترتيب الزمان وتراخيه على ظاهرها لأَن خلقناكم وصورناكم بمعنى خلقنا آباءَكم وصورنا آباءَكم أَو أَرواحكم، أَو بمعنى تصويرنا كالذر، وبعد رجوعنا فيه أَمر الملائكة بالسجود، ويجوز أَن يكون المراد خلقناكم في أَزمنتكم نطفا وصورناكم فى البطون على ظاهره، فتكون ثم لترتيب الإِخبار لأَن أَمر السجود قبل أَزمنتنا وحكمته تعظيم شأن السجود وإِيذان أَنه أَتم نعمة لنا وأَكمل إِحساناً من خلقنا وتصويرنا، أَو ثم بمعنى الواو، وأَما ثم فى صورناكم فعلى ظاهرها من ترتيب الزمان وتراخيه، وناسبه أَيضاً أَن التصوير اَكمل نعمة من مجرد الخلق ولا حاجة إِلى جعلها بمعنى الواو، وإِن قلنا المعنى خلقنا أَرواحكم أَو نطفكم فى صلب الآباء أَو فى بطون الأُمهات ثم صورناكم فى البطون. ولا يصح ما قيل أَن الخطاب لآدم عليه السلام تعظيماً له، أو لأَنه يتولد منه الكثير لأَن القرآن لم ينزل على آدم، ولم يقل الله عز وجل قلنا لآدم لقد خلقناكم ثم صورناكم، والملائكة المأْمورون بالسجود لآدم الملائكة كلهم لعموم اللفظ بلا وجود دليل تخصيص، وقيل ملائكة الأَرض، وقيل إِبليس ومن معه، وهم قيل: نوع من الملائكة يتولدون، سموه ملائكة وجنا لاستثنائه من الجن، الأَصل فيه الاتصال، وقوله تعالى كان من الجن، ومن نفى ذلك جعله منقطعا أَو كالمتصل لنشأَته فى الملائكة وعبادة الله معهم، وأَكثر منهم، وقال إِنه من الجن تحقيقا ليس من الملائكة المعروفة ولا نوعا منهم يتوالد { فَسَجَدُوا } من الظهر إِلى العصر، أَو مائة سنة أَو خمسمائة سنة، أَول من سجد له جبريل عليه السلام ثم ميكائيل ثم إِسرافيل ثم عزرائيل ثم المقربون ثم سائر الملائكة عليهم السلام { إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ } له، هذه الجملة مستأَنفة لتأكيد استثنائه من الساجدين، أَو حال مؤكدة، أَو جواب سؤال كأَنه قيل فما حاله فأَخبرنا الله أَنه لم يكن من الساجدين، وأَن الله عز وجل قال له: ما منعك من السجود لآدم، وأَنه أَجاب بأَنى خير منه. ومحط السؤال ما بعد قوله من الساجدين لأَن نفى سجوده معلوم من الاستثناءِ كما تقول: مَنْ زيد فتجاب بأَنه رجل صفته كذا، بذكر رجل تمهيدا بأَنك عالم بأَنه رجل ومسئولك عالم بأَنك عالم بأَنه رجل، والاستثناءِ يفيد نفى الحكم نصا عندى، وهو مذهب الشافعى، وقال أَبو حنيفة وأَصحابنا إِشارة أَو ضرورة، وعلى كل حال هو مؤكد بقوله لم يكن من الساجدين، والصحيح أَن الاستثناء بعد النفى صريح إِثبات وبعد الإِثبات صريح نفى، وقيل ذلك كله بطريق الإِشارة، وقيل بطريق المفهوم..