التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٣١
-الأعراف

تيسير التفسير

{ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ } الحالة المحبوبة من صحة بدن وخصب ونحوها { قَالُوا } لعدم تذكرهم { لَنَا هَذِهِ } نحن أَهل لها، وليس فينا ما ينافيها فلم يشكروا عليها، ويقال: قال له قومه: إِن كنت ربا فأتنا بجرى النيل، فقال: غداً يجيئكم، فاغتسل ليلا وتضرع إِلى الله تعالى، ومشى حافياً إِلى النيل، فدعا الله فجاءَ يجرى، وعرف الحسنة تلويحاً بالكثرة، وكذلك قرنها بإِذا المنبئة فى اللغة على غير شك لتحققها بخلاف السيئة، فإِنها نكرة لقلتها، كأَنه قيل: فرد من أَفراد السوء أَو نوع، وكذلك قرن بإِن المنبئة فى اللغة على الشك سوقا لها مساق ما يشك فيه هل يقع؟ ومساق ما يجئ حدوثاً لا قصد له ولا شك لله، ولا واقع من الحوادث إِلا بإِرادته { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } قحط أَو عاهة { يَطَّيَّرُوا } يتطيروا قلبت التاء طاء وأدغمت، وهو مضارع اطَّير بهمزة الوصل الحادثة على صيغة التفعل، أَى يتشاءَموا والعرب تسمى الشؤم طيراً وطائرا وطيرة بكسر ففتح وقد تسكن، لتشاؤمهم ببارحها، ونعيق الغراب، حتى أَنهم يقولون: بفيك التراب وفير، فهم بين أَن يقول: عق، أَو غق، وبأَخذ الطائر ذات اليسار، ويقال: البارح ما ولاك مياسره والسانح ما ولاك ميامنه، وقيل: البارح ما جاءَ من اليمين، والسانح ما جاءَ من اليسار، وكانوا يحبون السانح ويكرهون البارح، وإِذا أَرادوا سفراً أَو نكاحاً أَو غارة أَو حاجة، فتتشاءَم بالبارح وتتبرك بالسانح، وإِن وجدوا طائراً ماكثاً أَطاروه، فيكون سانحاً أَو بارحه فإِن جاءَ من جهة اليمين، أَو أطير فذهب يميناً فعلوا وهو سانح، فإِن جاءَ من اليسار، أَو أطير فذهب يساراً تركوا وهو بارح، فقال صلى الله عليه وسلم: "أَقروا الطير فى وكناتها" والوكنة موضعة، أَى لا تطيروها تفاؤلا وتشاؤما، وقال: "من رجعته التطير عن حاجته فقد أَشرك. قيل: وما كفارته يا رسول الله؟ فقال: أَن يقول اَحدكم: اللهم لا طير إِلا طيرك، ولا خير إِلا خيرك، ولا إِله غيرك" ويمضى لحاجته إِن كانت حلالا، فسموا الشؤم طائراً، إِذا جعلوا الطائر أَمارة تسمية للدال باسم المدلول، وكذلك تشاءَمت اليهود لعنهم الله برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لما جاءَ أَقحطنا، وغلت أَسعارنا، وكثر موتنا. وكان صلى الله عليه وسلم يتفاءَل ولا يتطير، وأَصل الفأل الحسنة على لسان آدمى، وهو أَصفى قلبا من البهائم والطير، فيؤخذ بها لا بصوت البهيمة والطائر، أَو ذهابه إِلى جهة، والشؤم ضد اليمن { بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ } من المسلمين، فيقولوا: أَصابنا ما نكره بهم { أَلاَ إِنما طائِرُهُم } أَى شؤمهم، أَى سبب شؤمهم { عِنْدَ اللهِ } وهو قضاؤه وحكمه عليهم، أَو طائرهم، سبب شؤمهم أَعمالهم المكتوبة عند الله، وهى أَعمال سوء توجب العقاب، فإِنه لا خير ولا شر إِلا بقضاء الله عز وجل، أَو أَعظم من شؤمهم عند الله وهو النار لا ما ينالهم فى الدنيا، ونقول: طائر الإِنسان عمله { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أَن ما يصيبهم من الله كلهم أَو بعضهم علم ولم يعمل، وكل حادث جائز، وإِنما هو بإِيجاد الواجب سبحانه.