التفاسير

< >
عرض

فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
١٦٦
-الأعراف

تيسير التفسير

{ فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْه } تكبروا عن ترك ما نهوا عنه، من الصيد وسائر الفسق { قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } وهم نحو اثنى عشر أَلفا، أَو نحو سبعين أَلفا، أَخذ رجل سمكة يوم السبت وربطها إِلى وتد على الساحل فى الماءِ وأَخذها يوم الأَحد فلاموه، وفى السبت الآخر حوتين كذلك، وأَخذهما فى الأَحد فلما لم يروا العذاب شرعوا فى أَخذه يوم السبت وبيعه وأَكله فصار أَهل القرية ثلاثا: معتدين، وناهين، مستمرين أَو غير مستمرين، وغير ناهين ولا مكتفين بنهى الناهى، بل هانت عليهم المعصية، ويجوز أَن يكون العذاب البئيس هو هذا المسخ، والفاء خرجت عن أَصلها إِلى بيان المجمل، ومعنى القول توجيه الإِرادة الأَزلية إِلى تصييرهم قردة، ولا كلام فى ذلك، والأَمر بالكون تهوين إِذ لا قدرة لهم على مسخ أَنفسهم، ولو كان لهم قدرة على ذلك لم يفعلوا، فليس ثَمَّ أَمر ولا مأمور ولا تكليف بكون ولا لفظ حقيقة، شبه تأثير قدرته تعالى فى مسخهم بلا توقف ولا امتناع ولا عمل ولا آلة بقول المطاع لمطيعه: افعل كذا، فيفعله، بلا توقف، ففى الآية استعارة تمثيلية، وخاسئين أَذلاء مهانين، والمسخ قردة على حقيقته، لا كما قيل: مسخت قلوبهم حتى لا يفهموا حقا كالقردة، قدر عليهم الناهون لقلتهم، بالنسبة للناهين، ولالقاءِ الذل عليهم من الله عز وجل، أَو لعذاب شديد أَصابهم فضعفوا فعزلوهم لمخالفتهم جانبا، وجعلوا إِليهم بابا، وقيل: بابا للناهين وبابا للعاصين، وأَصبحوا يوما ولم يخرج إِليهم أَحد. فدخلوا عليهم، أَو علوا الجدار عليهم، وإِذ هم قردة لا يعرفونهم والقردة تعرفهم وتدور حول أَقاربها وأَصحابها باكية، وتشم ثيابهم فيقولون: أَلم ننهكم؟ فتقول برأسها: بلى، وماتوا عن ثلاثة أَيام، قال الحسن: قلما رأَيت أَحدا أَكثر الاهتمام بالمعصية إِلا فعلها، وتقدم تحقيق كلام فيمن نجا مختصرا آنفا. وعن ابن عباس: ما أَدرى ما فعل بالفرقة الساكتة، وبكى، فقال عكرمة: جعلنى الله فداءَك لم تهلك، قد أَنكروا وكرهوا، وقالوا: " { لم تعظون } "[الأَعراف: 164] إِلخ. وروى أَنه قال أَيضا عكرمة: إِن لم يقل الله عز وجل " { أَنجينا } " [الأَعراف: 165] فإِنه لم يقل: أَهلكتهم، ورجع إِلى قوله، وكساه بردين، رواه الحاكم، وهو قول الحسن، وروى أَنه رجع إِليه بعد ما جزم بهلاكها، وقال ابن زيد: هلكت، وهذه أَشد آية فى ترك النهى عن المنكر، وأَنت خبير أِن النهى على الكفاية، فإِذا سكت الساكت لقيام غيره بالنهى لا لرضى أَو إِعانة، وقد أَنكر بقلبه فلا بأس، ويبعد أَن يكون النهى فرض عين عند هؤلاءِ.