التفاسير

< >
عرض

وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٨٠
-الأعراف

تيسير التفسير

{ وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } أَلفاظ يذكر بها، ويختص بها كما أَفاده تقديم ولله، لا توجد حقيقة معانيها لغيره، ولو وجد لفظها، إِلا الله والرحمن، فلا يوجد لفظهما لغيره، ولا يحل، فلا يجوز أَن تسمى السورة بعد اقتربت الساعة الرحمن كما فى أَلسن العامة، بل يقال: سورة الرحمن، وذلك حرام، وجاءَ الحديث: "إِن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إِلا واحداً من أَحصاها دخل الجنة، إِن الله وتر يحب الوتر، هو الله الذى لا إِله إِلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس" .. إِلخ.. وليست محصورة فى التسعة والتسعين، ففى الحديث: "أَسأَلك بكل اسم سميت به نفسك، أَو استأثرت به فى علم الغيب عندك" .. وقد حفظت أَسماء غير التسعة والتسعين. ويقال: لله تعالى أَلف اسم، نقله ابن العربى، وقال: إِن الأَلف قليل، وذكر بعض أَنها أَربعة آلاف، وذكر بعض الصوفية أَنها لا تكاد تحصى، ومعنى إِحصائها حفظها، كما روى: من حفظها دخل الجنة، ونسبه بعض لأَكثر المحققين، وقيل إِحصاؤها مراعاة معانيها والعمل بها. وقيل: المعنى من استحضر معانيها عند ذكرها، ولا بد من اجتناب الكبائر. وقيل المراد بالأَسماء: الصفات كالأُلوهية والرحمة والعلم والخلق ونحو ذلك من صفات الذات وصفات الفعل، كما يقال: طار اسم فلان فى الآفاق، أَو شاع ذكره بالمحاسن كالجود والشجاعة. والصحيح الأَول، وهى توقيفية، وقيل يجوز قياسها فيما ورد منها فعل كطحى ودحى وبنى، وتضاف لمعموله كداحى الأَرض، وكعلَّم بالشد فيجوز فى هذا القول معلم الإِنسان، ويجوز عالم وعليم وعلام، ولا يجوز فقيه، ويجوز جواد لا سخى، وقيل: يجوز قياسها ولو لم يرد فعل أَو مصدر أَو إِيهام ولا نقص، بل إِعظام وإِجلال بأَى لغة كانت، وصححه بعض وهو قول وجيه؛ لأَننا أمرنا بعبادته وإِجلاله بلا حد، وليس المنع أَولى من الإِجازة، لأَن كلا منهما تشريع، وإِنما الفرق فى المقارفة، فيقول مثلا لا أطلق له اسماً حذراً وخوفاً لعله لا يجوز ولا يضاف للأَشياء الحقيرة، لا يقال: خالق الخنافس والقرود، ويجوز إِطلاق ماكر وخادع فى مقام المشاكلة، وسمع المشركون النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمين يقولون: يا الله يا رحمن، فقالوا: يزعم محمد أَنه يعبد ربا واحداً، فما لهم يدعون اثنين؟ فنزل " { قل ادعو الله أَو ادعو الرحمن } " [الإِسراء: 110] والحسنى اسم تفضيل، والمعنى أَحسن الأَسماء { فَادْعُوهُ } سموه أَو نادوه أَو اعبدوه { بِهَا وَذرُوا } ا تركوا { الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ } يميلون فيها عن الحق بالاشتقاق منها لغيره إِشراكا به كاللات من الله، والعزى من العزيز، ومناة من منان، أَو بتحريفها، كقادر بفتح الدال وعبد القادر بفتح قبل الراء، وعبد اللا بحذف الهاء من الله، والله بترك مد اللام بالأَلف، وتسمية السورة الرحمن، بل قل: سورة الرحمن. ومن الإِلحاد تسميته بما لا يجوز كتفسير الربيع فى أَنبت الربيع البقل، والطبيب فى شفى الطبيب المريض - بالله تعالى على التجوز الاستعارى، بل هما على ظاهرهما و التجوز فى الإِسناد إِليهما، وكذا تفسير الرؤية به تعالى، وفيه أَيضاً تسمية بما فيه تاء التأْنيث، وذلك فى قولهم: سرتنى رؤيتك، ولا يحكم على موحد بشرك على خطئه فى لفظ إِذ لم يرد الشرك، ولا يعذر فى ترك التعلم والخطأ إِلى ما هو إِشراك لولا التأويل أَشد من الخطأ بفعل، ولو فرضنا أَن إِنساناً لا يحل قتله فقتله أَحد لكان ذنبه دون ذنب من قال إِن الإِنسان خالق لفعله، ودون ذنب من قال برؤية البارى تعالى، ودون ذنب من قال: صفات الله سبحانه غيره لأَن هؤلاء الثلاثة لولا التأْويل لكانت إِشراكا، وكذا القول بإِجبار الله تعالى الخلق على الفعل والقول بسلب القدرة أَلبتة عن العبد، ومذهبنا خال عن ذلك كله والحمد لله عز وجل، كما قال لى بعض علماء مكة: لا بدعة فى مذهبكم { سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أَمدهم بالإِعراض عن المشركين، وعدم اتباعهم، وعدم التلهف فى أَثرهم، وأَخبرهم بأَنهم سيجزون على عملهم، وليس فى ذلك نهى عن قتال فضلا عن أَن يقال: نسخ بآية القتال، لأَن ذلك يقال لهم قبل نزول القتال وبعده.