التفاسير

< >
عرض

قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
١٨٨
-الأعراف

تيسير التفسير

{ قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ } أَى جلب نفع ولا دفع ضر، إِلا ما شَاءَ الله منهما أَن أَجلبه أَو أَدفعه بالوحى أَو الإِلهام، واللام متعلق بأَملك، ويجوز أَن تكون فى مفعول نفعاً للتقوية. ويقدر مثلها لضرا، أَى لا أَملك أَن أَنفع نفسى أَو أضرها، أَى لا أَملك أَمر الضر فأَدفعه إِذا جاءَ، وما اسم، أَو فى وقت من الأَوقات إِلا وقت مشيئة الله عز وجل أَن أَملكه، وقدرة العبد مؤثرة بإِذن الله عز وجل، وتأْثيرها مخلوق الله، فالمؤثر حقيقة هو الله عز وجل، والاستثناء متصل كما رأَيت، وما حرف مصدر، ويجوز أَن يكون الاستثناء منقطعاً، أَى لكن ما شاءَ الله كان، ووجه اتصال هذا بما قبله أَنه لو كان يعلم الغيب كالساعة لملك لنفسه نفعاً ودفع ضراً، يطلع عليهما بعلمه الغيب، وقيل: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بنى المصطلق جاءَت ريح على الطريق نفرت الدواب منها، فأَخبر صلى الله عليه وسلم بموت رفاعة بالمدينة، وكان فيه غيظ المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم: "انظروا أَين ناقتى؟" فقال عبد الله بن أَبى بن سلول: أَلا تعجبون من هذا الرجل، يخبر عن موت رجل بالمدينة، ولا يعرف أَين ناقته.. فقال صلى الله عليه وسلم: "إِن ناساً من المنافقين قالوا كيت وكيت، وناقتى فى هذا الشعب قد تعلق زمامها بشجرة" ، فوجدوها كما قال، فأَنزل الله عز وجل { قل لا أَملك لنفسى نفعاً ولا ضراً إِلا ما شاءَ الله } { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ } بالذات أَو بالتعلم، أَو كلما شئت، َو على أَى وجه شئت، ولا أَعلم منه إِلا ما علمنى ربى بحسب إِرادته، فهذا غيب مستثنى بقرينة الأَحوال والإِخبار عنه، أَو هذا غير غيب، وإِنما الغيب ما أَعلمه بلا إِخبار من الله سبحانه، وقيل: الغيب قيام الساعة، وقيل أل للاستغراق والنفى لسلب العموم، أَى لا أَعلمه كله بل بعضه { لاَسْتَكْثَرتُ مِنَ الخَيْرِ } الصحة والمال والفرح { وَمَا مَسَّنِى السُّوءُ } مرض أَو فقر أَو حزن للتعرض للخير والتجنب عن السوء، وفسر بعضهم الخير بالربح فى التجارة والخصب، والسوء بضد ذلك والفقر، وليس فى الآية وصفه صلى الله عليه وسلم بالحرص فى استكثار الخير لأَن المراد بالاستكثار الكفاف حتى لا يحتاج، أَو المراد أَن الله تعالى يطلعه على الخير بحيث لا يجوز له المحيد عنه، وهذا غير واقع، والمراد أَيضاً الغيب العام فلا ينافى أَن يكون قد أَطلعه على بعض الغيوب كما مر آنفاً وكما جاءَت أَخبار فى ذلك، والمراد: ما مسنى سوء ما، فلا ينافى أَنه قد يعلم فلا يقدر على التحول، كما رأَى عند أحد فلولاً فى سيفه وبقراً مذبوحة وذلك يدل على موت فى المسلمين، ولم يقدر على التحرز عن ذلك، أَو هذه ملازمة عادية إِقناعية، إِذ من يعلم مواضع الخير يستكثره عادة، ومن يعلم مواقع الشر يجتنبه عادة، فلا يرد أَن العلم بالشئ لا يستلزم القدرة عليه، ولا يصح أَن يقال: هذه الآية قبل أَن يعلم بعض الغيوب بإِذن الله، وادعى بعض أَنه قال ذلك تواضعاً. وقيل: الخير دعوة من له السعادة، والسوء دعوة من له الشقاوة، ويرده أَن ذلك لا يتبادر، وأَن دعاءَه للسعيد إِلى الإِيمان، ودعاءَه للشقى إِلى الإِيمان على حد سواء يثاب عليهما، وكلاهما عبادة، وقيل: الغيب والموت والخير الأَعمال الصالحة والسوء غير ذلك، وقدم الخير لمناسبة تقديم النفع { إِنْ أَنَا إِلاَ نَذِيرٌ } للكافرين { وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } بالله، أَو بى، أَو بالنذارة والبشارة، كلاهما للمؤمنين على التنازع لأَنهم المنتفعون بهما، وقيل نذير للكافرين، وحذفهم تطهيراً للسان عنهم، وعلى كل حال لا أَتجاوز النذارة و البشارة إِلى معرفة كل ما أَردت من الغيب.