التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ
١٩٧
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
١٩٨
خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ
١٩٩
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٠٠
-الأعراف

تيسير التفسير

{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } تعبدونهم أَو تنادونهم فى مصالحكم أَو تسمونهم آلهة { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } ذكر هنا تعليلا لعدم مبالاته بهم وبشركائهم، والفرق بين من يستحق المبالاة به ومن لا يستحقها، وهنالك لتقريع عبدة الأَصنام فلا تكرير، وكذا ذكر تتميماً للتعليل قوله تعالى:
{ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ } أَيها المؤمنون الأَصنام؛ أَو أَيها المشركون { إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا } دعاءَكم { وَتَرَاهُمْ } أَى ترى الأَصنام يا محمد، ويامن يصلح للرؤية { يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ } بصورة الناظر إِليك فهو استعارة تبعية صورية { وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } أَو إِن تدعوا المشركين إِلى الهدى لا يسمعوا دعاءَكم سماع قبول أَو تفهم، وتراهم ينظرون بأَعينهم إِليك وهم لا يبصرونك بقلوبهم، أَو لا يقبلون حجتك. واشتد عليه صلى الله عليه وسلم خلافهم له فنزل قوله تعالى:
{ خُذِ الْعَفْوَ } قال ابن أَبى الدنيا مرفوعاً:
"اقبل ما تيسر من أَخلاق الناس" ، ويقال: اقبل ما تيسر من أَموال المسلمين والمشركين وأَخلاقهم وأَفعالهم وأَقوالهم التى لا تخالف الشرع، واعذرهم ولا تستقص ولا تتجسس فيستقصوا عليك ويتجسسوا، وتقع العداوة، أَو خذ العفو عن المذنبين، شبه العفو بشئ محسوس يطلب ويؤخذ، ورمز لذلك بالأَخذ، قال صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل ما أَخذ العفو؟ فقال: لا أَدرى حتى أَسأَل العالم، فرجع فقال: إِن الله تعالى أَمرك أَن تعفو عمن ظلمك، وتعطى من حرمك، وتصل من قطعك" . وكان الرجل يمسك ما يكفيه، ويتصدق بالباقى، ولما نزلت الزكاة وجب مقدارها وترك غيره، ولما نزل القتال وجب القتال وحل الغنائم، وقيل: خذ العفو عن المذنبين، والتعبير به إِغراء شديد، { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } المعروف، وهو كل ما جاءَك من الله، وما يعرف فى الشرع حسنه من مكارم الأَخلاق وترك مساويها، وسواء فى ذلك اعتقاد وقول وفعل. وفى البخارى عن عبد الله بن الزبير: ما نزلت خذ العفو وأمر بالعرف إِلا فى أَخلاق الناس { وَأعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } لا تجازهم على جفائهم سواء كانوا مشركين أَو موحدين، وهذا مما لا ينسخ " { وإِذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } " [الفرقان: 63] قال جعفر الصادق: ليس فى القرآن آية أَجمع لمكارم الأَخلاق من هذه الآية، وقد يصدر من ضعفاء الإِسلام وأَهل البدو جفاء. ولما نزلت الآية كما مر سأَل النبى صلى الله عليه وسلم جبريل عن معناها، فقال: لا أَدرى حتى أَسأَل ربى، فذهب فرجع فقال: إِن ربك أَمرك أَن تصل من قطعك، وتعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ولما نزلت قال: يا رب كيف بالغضب؟ فنزل قوله:
{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ } يا محمد، أَو يا من يصلح للخطاب، وعلى الأَول يكون الذين اتقوا بعد هذا المرسلين أَولى العزم، والعموم فى الذين اتقوا أَولى، ويجوز أَن يراد بالخطاب العموم كقوله تعالى
" { يا أَيها النبى إِذا طلقتم } " [الطلاق: 1] { مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ } يدفعه عنك لتأكيد العموم، والنزغ الطعن بما له حدة استعير لوسوسة الشيطان وإِغرائه، وعلاج صرفه لك عن الحق من الأَمر بالعرف والإِعراض عن الجاهل ونحو ذلك. والمراد بالنزغ أَمر نازغ أَو ذو نزغ، أَو نفس النزغ، وفى هذا إِسناد إِلى المصدر، كقولك صام الصوم برفع الصوم، وذلك مبالغة فى كيد الشيطان على طريق العرض كأَن فعله فاعل، وإِنما قلت على طريق العرض لأَن الآية لم تسق أَولا بالذات لذكر مبالغة الشيطان بالوسوسة، بل سبقت لبيان أَنه يوسوس، وللأَمر بمخالفته، والاستعاذة بالله الالتجاء إِليه ليمنعه عن اتباعه، فالله عالم بكل قول، وبكل فعل، وكل شئ، فيسهل لك مصالحك وينتقم ممن يؤذيك ولا يحوجك إِلى الانتقام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أَحد إِلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا: وإِياك يا رسول الله؟ قال: وإِياى إِلا أَن الله تعالى غلبنى على قرينى من الجن فأَسلم فلا يأمرنى إِلا بالخير" ، وقوله: فأَسلم بصيغة الماضى والضمير للقرين، أَى صار مؤمناً لا يأْمرنى إِلا بالخير، قال القاضى عياض وغيره ذلك هو المختار. ويروى بصيغة مضارع المتكلم من السلامة، أَى أَسلم أَنا من شره، واختاره الخطابى، ويدل لقول عياض قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا يأمرنى إِلا بخير" وقيل: إِن نزغ الشيطان بالنسبة إِليه صلى الله عليه وسلم مجاز عن اعتداء الغضب المقلق للنفس.