التفاسير

< >
عرض

فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ
٢٠
-الأعراف

تيسير التفسير

{ فَوَسْوَسَ } تكلم كلاما خفيا، وأَصله صوت الحلى وفيه تكرر { لَهُمَا الشَّيْطَانُ } أَوقع الوسوسة لأَجلهما، وهذا باللام ويقال: وسوس إِليه با لى بمعنى أَنهى إِليه الوسوسة، ويجوز كون اللام فى الآية بمعنى إِلى { لِيُبْدِىَ } يظهر { لَهُمَا مَا وُورِىَ } أَخفى { عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا } عوراتهما، وكانت مستورة بلباس الجنة أَو بشئٍ من جسدهما كظفر أَلين كجلدهما ولم يبق منه إِلا الأَظفار للتذكرة والانتفاع والزينة، أَو بنور، والأَول أَولى لتبادره، واللام فى ليبدى للعاقبة على أَنه لعنه الله لا يدرى أَنه إِذا أَكلا منها يعريان، أَو كان عارفا بذلك لفهمه أَو لسماعه من الملائكة، أَو برؤيته فى اللوح المحفوظ، فتكون للتعليل فيكون قد وسوس ليوقعهما فى المعصية فيخرجا من الكرامة، وإِبداء عورتهما لهما أَشد عليهما من أَن يعريا بدون أَن يراها، وفى الآية تقبيح كشف العورة عند الزواج أَو فى الخلوة بلا حاجة، وكانا قبل ذلك لا يريانها من أَنفسهما ولا من أَحدهما، والسوءَات فرجا كل واحد فهن أَربعة، أَو أَراد القبلين فجمع لكراهة إِضافة تثنية لتثنية، وفسر الوسوسة بقوله { وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ } أَى كملكين { أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } فى الجنة، شهر أَنه دخل فى فم الحية إِذ قربت من باب الجنة وهى فيها فسمها منه، فوسوس لهما فعوقبت بسلب قوائمها وليس بصحيح، أَو قرب من باب الجنة فوسوس إِليهما من خارج، وقد أَراد دخولها خفية للوسوسة فمنعه الخزنة، وقعد للوسوسة على بابها ثلاث ساعات وهى ثلاثمائة سنة من سنى الدنيا فوسوس، ولما رفع إِدريس إِلى السماءِ السابعة منع منها، ولما رفع عيسى إِلى الرابعة كان يدخل الثالثة، ولما أُسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم منع منهن كلهن، أَو جعل الله له قوة الوسوسة من الأَرض إِلى الجنة، وكان آدم عليه السلام يتعاطى أَن يكون كملائكة القرب من العرش لشرفهم ولعدم حاجتهم للأَكل والشرب ولقوتهم ولعلمه أَنهم لا يموتون رغب فى هذه الخصال، ولو كان أَفضل منهم من جهة أُخرى، وكان عالما بأَن الله عز وجل فضله عليهم وأَسجدهم له، وقيل أَسجد له ملائكة الأَرض فقط فليس فى الآية دلالة على أَفضلية الملائكة عليه، وأَوهمهما إِبليس والعياذ بالله تعالى منه أَن الله نهاهما عن أكل ثمار الشجرة لئلا يكونا منهم، ولئلا يكونا خالدين فيها، أَى كراهة أَن يكونا ملكين أَو يكونا خالدين، فاختار الأَكل منها على الكون منهم، وعلى الخلود وهذا ظاهر الآية، وهو بعيد، بل المراد أَنه تعالى نهاكما عن الأَكل منها لأَنكما إِن أَكلتما منها كنتما بمنزلة الملائكة، أَو خلدتما، رغبهما فى أَكلها طمعا لحصول أَحد الأَمرين، قيل أَو كليهما ترغيبا على أَن أَو بمعنى الواو فيناسب هذا أَن يقدر إِلا كراهة إِلا أَن لا تكونا ملكين، أَو كراهة أَن لا تكونا ملكين. كما قال "هل أَدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" وتصديق آدم عليه السلام لإبليس لعنه الله - فى الخلود بمعنى المكث الطويل غير كفر بل صدقه فى المكث الدائم لم يكن كفرا لأَن ذلك قبل إِخبار الله له بالموت والبعث، وقيل: لم يصدقاه بل غلبهما اشتهاء الأَكل، وآية طه تدل على أَن رغبتهما فى الأَكل أَكثر منها فى التملك.