التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٢٠٣
وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
٢٠٤
-الأعراف

تيسير التفسير

{ وَإِذَا لَمْ تأْتِهِمْ بِآيَةٍ } خارقة للعادة على وجه يقترحونه، بأَن أَبطأَت أَو أَتيتهم بآية خارقة لا على وجه طلبوه قَالُوا { لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا } تحضيض على اختراعها أَو جمعها أَو أَخذها من الله، أَو استخراجها، واللفظ ماض، ومعناه المضارع، أَو لوم له على عدم اجتبائها فى الماضى، يقال: اجتبى، اخترع أَو جمع، يقال: جبيت الماء فى الحوض، أَى جمعته، والحوض جابية لأَنه جامع للماء، واجتبى الشئ استخرجه وأَيضا اجتباه اختاره، وذلك تعنت كقولهم " { لن نؤمن لك حتى تفجر... } " [الإِسراء: 90] الآية. وقولهم: ابعث لنا قصيا وفلانا يشهدان لك، وقولهم: أَزل جبال مكة، وأْت بمياه، واجعل الصفا ذهبا { قُلْ } يا محمد لهم { إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلىَّ مِنْ رَبِّى } لا شيئا آتى به من عندى، لم يأمرنى به الله فأَتبعه وآمر به من معجزة ولا من غيرها نقلية أَو عقلية، ليس عندى أَن أَقول: أَنزل آية كذا مما يتلى أَو معجزة كذا، { هَذَا } القرآن { بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ } جمع بصيرة، بمعنى مبصرة، كل آية أَو حجة منه ترى بنفسها كما يرى الإِنسان بعينه، أَسند الرؤية إِليها إِسنادا مجازيا عقليا، مبالغة كأَنها لمبالغة الإِرشاد بها رائية على التشبيه البليغ أَو الاستعارة. والقرآن بمنزلة البصائر للقلوب، أَو ذلك من إِطلاق السبب على المسبب، فإِنها أَسباب لإِدراك القلوب التوحيد وأَمر الشرع والحجج، أَو البصائر استعارة لإِرشاد القرآن الخلق إِلى إِدراك الحقائق { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } سبقت لهم السعادة وأَنهم يؤمنون، وهنا تم القول.. وأَما قوله تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فهو أَنسب بمن آمن ولو جاز أَن يقصد به الكفرة وحدهم أَو مع غيرهم، فيدخل فى القول ولا سيما أَنه قيل: نزلت فى السكوت لا فى الصلاة، وهذا هو لمن آمن ويصلى، لا للكفار، وكان الرجل يأتى وهم فى الصلاة فيسأَلهم كم صليتم، وكم بقى، وكانوا يتكلمون فى الصلاة لحوائجهم، ويسلم بعض على بعض فيها فنزلت الآية، أَو نزلت فى استماع القرآن فى الصلاة وفى الخطبة مطلقا، أَو خطبة الجمعة، وفيه أَن الآية مكية والجمعة مدنية، وإِذا فسرت الآية بالخطبة مطلقا أَو خطبة الجمعة. فإنما سميت قرآنا لأَنها اشتملت على القرآن، والعمل بعموم اللفظ، فيجب الاستماع للقرآن إِذا قرئَ فى الصلاة أَو الخطبة أَو فى غيرهما ما دام يفرز الكلام، ولا يجب إِن كان لا يفرزه لبعده مثلا.. وكان يسمع همهمة إِلا إِن كان فى الصلاة ويستمع لقراءَة الإِمام ولا يقرأ معه، وهذا داخل فى الآية إِلا فاتحة الكتاب فلا صلاة للمأموم إِلا بها كالإِمام والفذ، كما جاءَ به الحديث مقيدا لإطلاق الآية، وكان ناس يقرءُون مع الإِمام غير الفاتحة.. ولما سلم قال: أَما آن لكم أَن تفقهوا{ وإِذا قرئَ القرآن فاستمعوا له وأَنصتوا } كما أَمركم الله، قال جابر بن عبد الله عنه صلى الله عليه وسلم: "من كان له إِمام فقراءَته له قراءَة.." ومثله عن عبادة بن الصامت وعائشة، وروى أَبو داود والترمذى عن عبادة ابن الصامت: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صلاة الفجر، وقرأَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءَة، فلما فرغ قال: "لعلكم تقرءُون خلف إِمامكم، قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إِلا بفاتحة الكتاب فإِنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" ، والاستماع صرف قوة الأُذن إِلى إِدراك الصوت، والإنصات ترك ما يشغل عن ذلك، فقد يستمع وهو غير منصت، بأَن اشتغل بكلام أَو قراءَة أَو فعل، واللام صلة للفعل، أَو بمعنى التى أَو للتعليل، ويقدر مثلها لأَنصتوا.