التفاسير

< >
عرض

يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
٢٧
-الأعراف

تيسير التفسير

{ يَا بَنِى آدَمَ لاَ يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ } لا يصرفنكم بوسوسته عن العمل الصالح والتقوى، أَو عن الجنة، واللفظ نهى للشيطان الذى هو السبب، والمراد النهى عن المسبب وهو اتباعه { كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ } بفتنته، أَى فتنا ثابتا كإِخراجه إِياهما، أَو فتنا مثل إِخراجه، وقوله { يَنْزِعْ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا } حال من أَبويكم، أَو من ضمير أَخرج، والنازع الله عز وجل فأَسند النزع للشيطان والعياذ بالله لأَنه سبب، واللام للتعليل على أَنه - لعنه الله - عارف بفهمه أَو من الملائكة أَن الأَكل من الشجرة سبب للنزع، وإِلا فللعاقبة والمضارع فى الموضعين لتكون الحال كما لمشاهدة وإِلا فالنزع والإِرادة ماضيان، وأَكد التحذر وعلله بقوله { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ } أَكد بهو الضمير المستتر لزيادة التنبيه على أَن الرائي لكم هو ذلك العظيم المكر والسوء ليأخذوا حذرهم جداً، وكم كاف فى العطف على المستتر إِذا عطف عليه بقوله { وَقَبِيلُهُ } جماعته المختلفة كالروم ومن الجن والزنج منهم والعرب منهم أَو أَصحابه وجنده { مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } من للابتداء، وكل موضع رأَونا منه فالرؤية مبتدئة منه منتهية إِلينا، لا ترونهم كلما شئتم بل قد ترونهم قليلا موافقة ولو على تحقق بلا تخييل كما يراهم سليمان عليه السلام وهو من البشر، و "كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذ قبض شيطانا وقال: كنت أَردت أَن أَربطه فى سارية لتروه فتذكرت قوله تعالى رب هب لى ملكا لا ينبغى لأَحد من بعدى فأَطلقته" . وأَلفت فى ذلك رسالة ثم رأيت الكرخى صرح بأَنه تكون رؤيتهم على أَصل خلقتهم لبعض الناس، وليس عدم رؤيتنا إِياهم للطافَة أَجسامهم وعدم أَلوانهم بل لأَن الله عز وجل حجبهم عنا ولم يخلق فينا قوة إِبصارهم، وخلق فيهم قوة إِبصارهم إِيانا وقوة إِبصار بعض بعضاً، وإِلا فإِنهم أَجسام ولهم أَلوان، ولو لطفوا أو خصوا بأَنهم يخرجون من تحت الثرى ويروننا ولا نراهم ويعود شيخهم شاباً، قال ذو النون: يراك الشيطان من حيث لا تراه ولكن الله يراه من حيث لا يرى فاستعن بالله عليه فإِن كيد الشيطان ضعيف، ولم نكلف محاربة أَعيانهم حتى يكون عدم رؤيتنا إِياهم مانعاً من محاربتهم، بل كلفنا الله دفع وسوستهم بالاستعاذة بالله وذكره. وقال مالك بن دينار: إِن عدوا يراك ولا تراه لشديد المئونة إِلا من عصمة الله عز وجل { إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ } أَعوانا { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } يغلبونهم فى الفساد فهم أَصدقاؤهم لمناسبة بينهم أَو مكانتهم من إِغواء الذين لا يؤمنون، فهم بتولون أَمرهم بالإِغواء.